1- هل كنت من قراء سلسلة ما وراء الطبيعة؟ ولو كنت من قرائها، كيف كانت تجربة عملك على المسلسل في ظل نشأتك على قراءة روايات أحمد خالد توفيق؟
نعم، كنت من قراء سلسلة ما وراء الطبيعة وكنت أحبها جدًا. وعندما علمت بأنني سأعمل على مسلسلها؛ كنت سعيدًا بها للغاية، لأنني كنت أملك خيالًا لها طيلة عمري ومنذ صِغري، فأنا أعتقد أن هذه الروايات صنعت فارقًا مع الجيل بأكمله، وهي التي جعلت له خيالًا من الأصل، ومنحته القدرة على تخيل العفاريت والأشباح وغيرها. فكانت روايات ما وراء الطبيعة هي مصدر الخيال الرئيسي بالنسبة لدينا، ولهذا كان خبر عملي عليها من أكثر الأخبار التي وردتني وأسعدتني بحياتي.
___
2- بعد عملك على عدة أعمال مقتبسة عن روايات، مثل الفيل الأزرق وهيبتا وتراب الماس ومؤخرًا ما وراء الطبيعة.. هل يختلف تصورك لمونتاج العمل حين يكون قائم على روايات ناجحة قرأها كثيرون؟
طبعًا عندما يقوم العمل على رواية، يكون هناك تصور نهائي له، ويعمل طاقم العمل بأكمله تبعًا لرؤية المخرج.. أعمال مثل الفيل الأزرق وما وراء الطبيعة، فيهما خيال ورؤية وأشياء خوارقية لا نراها في عالمنا الطبيعي، كالأحلام والرؤى وغيرهما. ستجد أن كل قارئ له خياله الخاص ورؤيته للعمل الذي يقرأه، وأنا بدوري كمونتير حين يأتيني عمل قائم على رواية، يكون لي خيالي الخاص المختلف تمامًا عن خيال المخرج وتصوره؛ فأحاول قدر الإمكان أن أقارب وجهة نظري لوجهة نظره، وأن أضيف تصوري للعمل وأمزج بينه وبين تصور المخرج، وهذا ما يجعل العمل مختلفًا وفريدًا في النهاية. لذلك نعم، هناك فرق كبير حين أقرأ الرواية قبل العمل عليها، لأني أكوّن خيالي الخاص قبل رؤية مادة الفيلم، فأنا عادًة ما أرى مادة الفيلم قبل أن أبني تصوري له. ولكن في العمل القائم على رواية؛ أنا أبني تصوري الخاص وأكوّن خيالي عند قراءة الرواية، ثم يختلف خيالي هذا بعد رؤية مادة الفيلم، ثم يخرج تصور ثالث مختلف تمامًا بعد مزج التصورين اللذين كونتهما قبل رؤية مادة الفيلم وبعد رؤيتها.
___
3- عُرض لك مؤخرًا مسلسل في كل أسبوع يوم جمعة، ولاقى مونتاج العمل مديح كبير من مشاهدين المسلسل وتعليقات إيجابية في مواقع السوشال ميديا من الجمهور العادي.. ماذا كان شعورك تجاه حالة تركيز الجمهور الغير مألوفة مع المونتاج؟ وما الذي لفت انتباههم بهذه الدرجة إلى مونتاج المسلسل في رأيك؟
بالنسبة لمسلسل في كل أسبوع يوم جمعة، أعتقد أن العنصر الذي أتاح لي إظهار عملي خلاله لدرجة تلفت انتباه الجمهور العادي، هو أننا نحكي أحداث المسلسل في زمنين مختلفين، والأمر ليس منتظمًا أو يحدث بشكل متوازي؛ فنحن نقرر الذهاب للزمن الماضي حين نحتاج لإظهار معلومة تخصه وتكون مرتبطة بحدث يدور الآن في الزمن الحاضر. لذا أعتقد أن السبب الرئيسي لحديث الجمهور عن مونتاج المسلسل، هو وجود زمنين مختلفين، ننتقل بينهما بناءً على ما يحدث، فالحدث الحالي الذي يقع الآن، نعود للزمن الماضي ونظهر أحداث تكشف معلومات لها علاقة به؛ فالمونتاج استطاع صياغة أسلوب حكي المسلسل في الزمنين بسلاسة، وأسلوب الحكي هذا هو الذي لفت انتباه الجميع لعملي كمونتير في المسلسل.
4 - توليت مونتاج عملين تدور أحداثهما في مكان واحد تقريبًا، هما فيلميّ اشتباك والضيف.. حدثنا أكثر عن تفاصيل تجربتك كمونتير بالنسبة لعمل تدور أحداثه في مكان واحد، وكيف تتفادى أن يكون إيقاع عمل كهذا رتيبًا أو مملًا؟
الأفلام التي تدور أحداثها في مكان واحد، صعوبتها في فكرة تنفيذها. فيلم اشتباك مثلًا، كانت فكرة دياب وخياله للأحداث، ألا تخرج الكاميرا من سيارة الترحيلات أبدًا، وهذا تكمن صعوبته في أنني موجود داخل علبة ثقاب تقريبًا، فأنت مُطالب بأن تحكي حكايتك بأكملها في مكان "متر x متر" لا أكثر. وهناك صعوبة أيضًا في تلاعبك بالإيقاع، متى تقرر أن يكون المشهد سريعًا عابرًا، ومتى تقرر أن تضفي للمُشاهد شعور بالاختناق، فتختار المشاهد الطويلة مثلًا، وهذا يعود جزء منه لدياب، وجزء آخر قررناه سويًا خلال المونتاج. صعوبة الفيلم كانت في عدم خروج الكاميرا من السيارة إطلاقًا، ومدى تمكنك من اللعب بالإيقاع، فأعطيك الأحداث من منظور خارج السيارة لتلتقط أنفاسك بعض الأوقات، ومتى أقرر أن أشعرك بالاختناق كأنك تجلس معهم داخل السيارة، فصعوبة الفيلم كانت في قدرتي على جعلك تشعر بأنك واحد ضمن الـ 9 المحتجزين داخل السيارة، وأعتقد أن هذا ما راق الجمهور بشدة في الفيلم؛ شعورهم بأنهم أفراد جالسين داخل هذه السيارة.
بالنسبة لفيلم الضيف، أحداثه كانت تدور في زمن واقعي تقريبًا، فالمدة الزمنية للأحداث هي نفسها زمن عرض الفيلم. الأحداث كلها تدور في منزل واحد حيث ننتقل فقط بين الغرف، وطبعًا هناك خوف كبير من الرتابة في مثل هذا النوع من الأفلام، لكن حكاية الفيلم نفسها ساعدتني كثيرًا بتفادي الرتابة. صعوبة مونتاج هذا الفيلم كانت في المشاهد الطويلة؛ فمشهد الختام يستمر لـ 20 دقيقة، أي ربع مدة عرض الفيلم تقريبًا! وهذا مشهد صعب للغاية، فنحن نشاهد الأبطال الأربعة في غرفة المكتب، يتحدثون ويتعالى التوتر بينهم، وتضطرب الأحداث ليتعالى معها التشويق. طول مدة المشهد كان أكثر الأشياء التي أخافتني خلال عملي على الفيلم. المشهد كان طويلًا للغاية، في حين أن بقية أحداث الفيلم، كنا ننتقل من غرفة إلى أخرى ونكسر رتابة المكان الواحد بعض الشيء، طبعًا هناك صعوبة في موزانة الانتقال بين هذه الغرف خلال الأحداث، ولكن لا تقارن بصعوبة مشهد الختام الطويل هذا.
___
5- توليت مونتاج حلقة من حلقات المسلسل الأميركي Cypher.. ما التحديات التي واجهتها في عمل دولي بلغة أجنبية مثل هذا؟
تجربة Cypher كانت تجربة مهمة ومختلفة جدًا بالنسبة لي، لأنه أول عمل بلغة مختلفة أقوم بمونتاجه، سبقته أعمال عربية من دول مختلفة مثل الأردن وفلسطين، ولكن في النهاية كنت أستطيع الحكم على اللغة والتمثيل. Cypher صعوبته، أنه رغم فهمك للغة حتى، ولكن الأداء نفسه بهذه اللغة مختلف تمامًا؛ المسافات بين الجُمل والكلمات مختلف، إحساسك باللغة نفسه مختلف لأنها ليست لغتك الأصلية. لذا استغرقت وقت كبير في الإعداد لهذا العمل، ومذاكرة Genre الأكشن نفسه، فأنا عادةً ما أركّز على الكادر أو الإيقاع، هنا تطلب الأمر مني أن أركّز على التمثيل بصورة كبيرة للغاية. وذاكرت كثيرًا الأكشن التوشيق، حتى أتمكن من الحكم على الاداء، وأستطيع أن أقرر وقت الوقفات، والأنفاس، خاصةً في المشاهد الحوارية. فصعوبة الفيلم بالنسبة لي كانت في الدراما وليس الأكشن، لأن في مشاهد الأكشن كنت قادرًا على الحكم، لكن التحدي كان في حكمي على الدراما والحوار.
___
6- ما هو سر التعاون الدائم بينك وبين المخرج مروان حامد؟ جمعتكم أعمال مهمة مثل الفيل الأزرق بجزئيه، الأصليين، تراب الماس، وتجتمعون مجددًا في الفيلم الضخم كيرة والجن.. حدثنا عن أسباب هذا النجاح من وجهة نظرك، وما الذي يدفعكم للعمل سويًا مرارًا وتكرارًا وفي كل عمل تقريبًا؟
أنا شخصيًا أستمتع بالعمل مع مروان حامد، فأنا أنتظر فعلًا عمل بعد الآخر لكي أتعاون معه؛ فهو دائمًا ما يضيف لي ويخلق تحديات بداخلي. مروان من الناس المجتهدة التي تذاكر جدًا لعملها، كما يحب للمشاركين معه أن يذاكروا بدورهم؛ فدائمًا ما يُرسل لنا مراجع للعمل، وتوصيات وإشارات مختلفة. يكما أنه ُشركنا معه في المسودات الأولى للسيناريو، ويحرص على معرفة آرائنا كفريق عمل. لذا مروان حالة استثنائية وخاصة جدًا بالنسبة لي، وأنا أرتاح نفسيًا جدًا في عملي معه، وأظن أن راحة العمل تلك تساعد على إبداع شيء مختلف، فهناك كيمياء بيني وبين مروان دائمًا ما تُضفي سحرها الخاص على العمل.
___
7- يتحول العديدون من المونتاج إلى الإخراج، ما سبب ذلك؟ وهل من الممكن أن نراك مخرجًا ذات يوم؟
أعتقد أن المونتاج هو أقرب الفنون إلى الإخراج.. لإن المونتاج به حكي للأحداث، وأنت أكثر شخص يشاهد مادة الفيلم بأكمله تقريبًا، فتشاهد طريقة تصوير كل شخص وكادراته، وتتغذى عينك بصورة كبيرة خلال هذه الخبرات، ويتكون لديك مخزون بصري كبير، قد يُمكنك من إخراج عمل بالكامل فيما بعد. لأنك تشاهد مادة الفيلم بأكملها، وتطرح أسئلة كثيرة بداخلك؛ لماذا اختار المخرج هذه الزاوية لتصوير ذلك المشهد؟ ولماذا نفذ الـ Close بهذه الطريقة؟! وبالتبعية، أنت تحكي الأحداث بطريقتك كمونتير، فتكتسب خبرة مرة بعد الأخرى. لذلك يتحول كثير من رواد المونتاج إلى مخرجين ناجحين، ولكن الأمر يحتاج إلى الموهبة أيضًا. هل سأتحول إلى مخرج، أعتقد أني لن أتخذ هذا القرار في الوقت الحالي، ربما بعد 10 سنوات أخوض تجربة الإخراج. لكن خلال الفترة الحالية، أشعر بأني أملك الكثير لتقديمه في المونتاج بعد، فلن أشغل نفسي بقرار خوض الإخراج من عدمه حاليًا.
8- ما أقرب الأعمال التي شاركت بها لقلبك؟ ولماذا؟
هناك تجربة أحبها جدًا، وأراها لم تنل التقدير المستحق. فيلم أردني تركي اسمه مسافر: حلب اسطنبول لمخرجة تركية، كان يدور عن مجموعة لاجئين سوريين في إسطنبول. هذا الفيلم أحبه جدًا، لأن أحداثه عاطفية وفيها قدر كبير من السلاسة، ونوع حكي مختلف تمامًا. أنا أحب أسلوب حكيه لأنه يختلف عن أعمال كثيرة أخرى شاركت بها.
___
9- ما أكثر عمل شاركت به وواجهت فيه تحديات؟ وما هي هذه التحديات؟
أكثر أعمال شاركت بها وكانت زاخرة بالتحديات، هي أكثر الأعمال التي أحببتها؛ تحديدًا اشتباك والفيل الأزرق، هذه هي التحديات الكبيرة وأصعب الاعمال التي شاركت بها، ولذلك أحبهما للغاية. لأن الفيل الأزرق كان Genre جديد على العالم العربي وقتها، ولم يكن هناك مراجع تساعدنا في تنفيذه. ثم جاء اشتباك، وكان تحدي كبير لإنه في مكان واحد، والكاميرا لم تغادر سيارة الترحيلات طيلة أحداثه. فالمونتاج كان صاحب دور مهم للغاية، وبإمكانه أن يفسد الفيلم تمامًا، أو أن يضيف له الكثير. وعامةً، كل فيلم أشارك به يكون له تحدياته الخاصة طبعًا، ولكن هذه هي أصعب التحديات التي واجهتها.
___
10- ما هو العمل -محلي أو دولي- الذي شاهدته ورأيت أن المونتاج به إعجازي أو مستواه غير معهود؟ وما هي عناصر تميزه من وجهة نظرك؟
الأعمال التي تأثرت بمونتاجها للغاية، أفلام مثل Fight Club، Requiem for A Dream، Inglorious Basterds وأفلام تارانتينو عامةً لإن مونتاجها مختلف. بحب مونتاج Kill Bill، Interstellar، وفيه أفلام كتير جدًا. الأفلام العربية، أحب كل أفلام عاطف الطيب، لأن بها أسلوب حكي سلس جدًا ويبدو سهل ممتنع. أفلام كمال الشيخ أيضًا فيها أسلوب الحكي السهل الممتنع. فأنا أحب الأفلام التي يكون المونتاج فيها واضح وبذات الوقت متواري، فالمونتاج صعوبته هي أنه يحتاج لأن يكون متواري دائمًا وغير ظاهر. ربما Fight Club وRequiem for A Dream مختلفين في هذا العنصر، ومونتاجهما كان واضحًا جدًا لأن الـ Genre فرض نوع مونتاج جديد، مثل فيلم Man on Fire أيضًا، أثر بي للغاية لأن مونتاجه واضح ومؤثر.
___
11- ما هي طموحاتك كمونتير؟ وما المشاريع التي تنتظرها أو ترغب في العمل بها؟
طموحي الشخصي كمونتير، هو أن أتجاوز حيز كوني مونتير ناجح في منطقة معينة، وأن أنتقل لحيز مونتير ناجح على المستوى العالمي. قد يبدو كلامي حالمًا للغاية، ولكنه طموح فعلي أحاول العمل عليه، خاصةً وأن المونتاج ليس مهنة دارجة، وليس معروف للجميع، لذلك قد يبدو طموحك مبالغًا فيه بالنسبة لهم. ولكن أنا أتمنى تحقيق هذا، وأن يكون لي أفلام مرشحة لجوائز الأوسكار وإيمي. هذا طموح يشغلني وهدف أحاول السعي إليه وتحقيقه.