الفنان هاني عادل مع أحدث أدواره في فيلم "اشتباك" الذي يدور حول الثورة المصرية عام 2013، يقوم بقفزة كبيرة للنجومية العالمية
كانت الجماهير متحمسة جداً لخلع مبارك وحكومته من المقربين عام 2011، وسرعان ما اكتشفت أنّ البديل الذي حصلت عليه لم يكن أفضل: قيادة الإخوان المسلمين المتجذرة في أيديولوجية تستغل سلطات الدولة، في حين كان الأمن القومي والموارد الوطنية، والاقتصاد في أزمة خطيرة
النتيجة: انقلاب عسكري في عام 2013 أسفر عن تشكيل حكومة بقيادة الجيش مارست القمع الدموي ضدّ المعارضين
يحاول فيلم "اشتباك"، آخر أفلام المخرج المصري محمد دياب، التقاط مزاج الناس خلال تلك الأسابيع التي حدث خلالها الانقلاب. لا يحاول الفيلم التركيز على المشهد السياسي أو الطريقة التي تتحكم بها السلطة – حيث يمكن رصد أمور كهذه في أي مكان أو في أية مرحلة تاريخية أو في كنف أية حضارة شهدها هذا الكوكب على مرّ العصور. وبطبيعة الحال، تلعب الأحداث دوراً منطقياً ضمن إطار المشهد السياسي العام، ولكن القصة الحقيقية للفيلم تحاول رصد الناس، قناعاتهم وكفاحهم الشاق. يحاول الفيلم تسليط الضوء على عواطف الشخصيات المتمثلة في غريزة البقاء لديهم مقابل العنف، وفي الرغبة في التغلب على الضغوط النفسية مقابل الحاجة الماسة لمقاومة الاستسلام للقوات الوحشية
يلعب هاني عادل، الذي يشهد التغيرات التي يتعرض لها بلده خلال السنوات الأخيرة، دور آدم، وهو صحفي مصري أمريكي يعمل لحساب وكالة اسوشيتد برس. يتم جرّه إلى شاحنة شرطة مكافحة الشغب المعروفة شعبياً باسم بوكس في العامية المتداولة في القاهرة جنباً إلى جنب مع معتقلين آخرين من خلفيات اجتماعية وسياسية متنوعة
ويوضح عادل كيف يضيء الفيلم على واقع الأزمة التي يمرّ بها الناس قائلاً، "يشكّل الفيلم مثالاً حيّاً على القدرة على تصوير إمكانية إجبار مثل هذه الحالات الناس على إيجاد وسيلة لمناقشة مختلف وجهات النظر والمواقف التي من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى حلّ عمليّ. أخصّ بحديثي هنا الفترة التي تلت الصراعات الأخيرة التي شهدتها مصر. نرى أنّ بعض الأحداث مدّت الناس بالتفاؤل، في حين نادى آخرون بآراء متشائمة. وطرأ اختلاف على طريقة الناس في التفكير، ومن حسن الحظ أنني كنت هناك لأشهد هذه التغيرات بأم العين. وبغض النظر عن الجانبين الذين اصطفّ الناس وِفقاً لهما، أنا مسرور للغاية لأنّ العنصر "الإنساني" في الناس كان دائماً على قيد الحياة
تذكر عادل، " لقد اتحد المصريون بطريقة لائقة جداً طوال تلك الأيام التاريخية". لا يسلط الفيلم الضوء على الجانب السياسي للصراع، وإنما يناقش المسائل التي حدثت في وقت لاحق
"كانت كل الشخصيات في الفيلم عالقة معاً في نفس الشاحنة. يرمز هذا الوضع بالطبع إلى العرب الذين وحّدتهم قضية واقعية حقيقية في ظلّ نفس الوضع الحرج. لهذا السبب ترى أنّ هذا الفيلم يخاطب الجميع إنه حقيقي تماماً ويعكس تجارباً حقيقية عاناها الشعب
ويرى عادل أنّ "اشتباك" يلقي الضوء على طريقة المجتمع في التعامل مع المتغيرات في ظل هذه الظروف. والأهم من ذلك، أنّ طريقة الناس في التعبير عن وجهات نظرهم تغيرت بشكل لافت خلال مجرى الأحداث. كما يقول، "تكمن المصداقية في الطريقة التي بدأ الناس في التعامل من خلالها مع بعضهم البعض وليس مع الأحداث التي وقعت على وجه الخصوص
كان العمل في فيلم "اشتباك" أمراً صعباً للغاية ويحمل الكثير من التحديات، بغض النظر عن طبيعة الإنتاج. فكما كشف عادل، "كان بالإمكان تصوير الفيلم في أي مكان في العالم، ومع ذلك سيبقى إنجازه أمراً صعباً. لأن جميع الممثلين تواجدوا معاً طوال الوقت في الموقع، في السيارة، في الأداء المشترك لكل المشاهد لا يسهل القيام بهذا الأمر من الناحية التقنية. كان كل ممثل يؤدي دور شخصية تمثل طابعاً أصيلاً في المجتمع المصري
وقد تم اختيار "اشتباك" رسمياً في مهرجان كان السينمائي 2016 كفيلم الافتتاح لقسم الأفلام المصنّفة "أن سيرتين ريغاردز". كما تم اختياره ليكون الدخول المصري لجائزة أفضل فيلم أجنبي "لجوائز الاوسكار القادمة التي تجري في فبراير شباط عام 2017
يقول عادل، "بعد كل العمل الشاق الذي بذلناه في هذا المشروع، شعرنا بضرورة حصول الفيلم على الاعتراف الذي يليق به. ولكن بصراحة، فاجأنا مهرجان كان باختياره لفيلمنا. كانت نفوسنا عامرة بالنشوة والفخر للغاية لأننا سنمثل بلدنا مصر في فيلم أنجزناه بكل ما في أفئدتنا من صدق. ولكنّ أكثر ما لامس شغاف قلوبنا ردة فعل الجمهور. وكان كل ذلك التصفيق وتلك الدموع أموراً حقيقية، وصادقة لأن شخصيات الفيلم كانت واقعية، فالممثلين كانوا يتحدثون عن أنفسهم وواقعهم وبلدهم
حتى توم هانكس أعجب بالفيلم، لدرجة أنّه طبع رسالة على آلته الكاتبة الشخصية (ومن المعروف عن هذا الممثل الحائز على جائزة الأوسكار ولعه المتعطّش لجمع الآلات الكاتبة العريقة) وأرسلها إلى مخرج الفيلم محمد دياب، الذي بدوره التقط صورة للرسالة ونشرها على الانترنت وبطبيعة الحال، انتشر خبر الرسالة بين الناس بسرعة البرق
Clash poster by Ahmed Emad Eldin
حتى أنّ هانكس، الذي يُعرف بالعديد من الأدوار البارزة في أفلام مثل فيلادلفيا (1993)، فورست غامب (1994) سيفينغ برايفيت رايان (1998)، امتدح الفيلم على صفحته على الفيسبوك مشجعاً الناس على مشاهدته
يقول عادل، "حرصنا في هذا الفيلم على محاولة استشفاف المستقبل، علّنا نعرف إلى أين نمضي. يمثّل هذا الفيلم العالم العربي بالكامل وليس مصر فقط. نحن بحاجة إلى هذا التفكير الاجتماعي الذي يحاول الفيلم تغطيته، خصوصاً مع الصورة المشوهة التي ترسمها وسائل الإعلام الدولية عن مجتمعاتنا العربية
ومن المعروف عن عادل لعبه الأدوار المثيرة للجدل التي تصور القضايا الاجتماعية والسياسية، والتي تتعامل خاصة مع المجتمع العربي. "دائما أضع في اعتباري ضرورة احترام ذكاء الناس عندما أقرر أن ألعب دوراً ما. لا بدّ أن تكون الشخصية حقيقية وصادقة بارتباطها بمجتمعها بشكل أصيل. يجب أن يجد الناس أنفسهم فيما أقدمه كي يشعروا بالارتباط بالشخصية التي أقدمها. هذا هو السبب الذي يجعلني أتأكّد أولاً من أن الشخصية التي سألعبها تشبه شخصاً واحداً على الأقل أعرفه في حياتي. يجب أن تكون التجربة بالكامل أصيلة تضرب جذورها في واقع حياتي حتى أستطيع فهم مشاعرها والصراعات التي تمرّ بها
اشتباك هو الفيلم التاسع لعادل؛ وتشمل الأفلام الأخرى "ميكروفون" (2010)، وهو فيلم عن الحروب الثقافية في مصر، "أسماء" (2011) عن امرأة تعيش في القاهرة، وتعاني من فيروس نقص المناعة المكتسب / الإيدز، والفيلم الذي أنتِج عام 2013 "فتاة المصنع" الذي يعالج قضية التمييز الجنسي والتمييز الطبقي في المجتمع المصري
تضمّ مجموعة الأشخاص التي كان لها تأثيراً كبيراً على عادل في السينما المصرية ممثلين مثل محمود المليجي، الذي ارتقى سلّم الشهرة في الثلاثينات، والذي اشتهر بشكل خاص بأدوار الشر؛ وبطبيعة الحال، هناك المخرج يوسف شاهين، المرحَّب به نقدياً على أعلا مستوى، والذي يُعتبَر، بحدّ ذاته، مدرسة فكرية في السينما العربية. كما أنه معجب أيضا بالممثل جوني ديب لتقنياته المتنوعة وطريقته في التمثيل