ما أهمية العمارة كأحد مجالات التصميم ضمن حي دبي للتصميم، وكم شركة متخصصة بمجال العمارة تعمل في مجمعكم؟
العمارة في جوهرها هي البحث عن الأفضل للإنسان وترجمته على شكل تصميم وتجارب مختلفة قد تكون تركز على الراحة أو الفخامة أو الاستدامة وغيرها، ويشكل هذا القطاع جزءا مهماً من قطاع التصميم الذي يعتبر بمفهومه الواسع أحد أكبر القطاعات في العالم، ويوجد لدينا في حي دبي للتصميم أكثر من 50 مؤسسة عالمية تعمل في مجال الهندسة المعمارية، ومن أبرزها مكتب زها حديد للهندسة المعمارية.
ما هي الفكرة من استضافتكم "الملتقى الإقليمي للهندسة المعمارية"؟ ولماذا في هذا الوقت تحديداً؟
تمثل الحاجة المتزايدة لبناء مدن ومعالم عمرانية مواكبة للمستقبل تحدياً هاماً ومجالاً جديداً ذو أهمية كبيرة، ولهذا السبب أطلقنا "الملتقى الإقليمي للهندسة المعمارية" الذي يقام بالشراكة مع المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين "ريبا" فرع منطقة الخليج، حيث نعمل معا على توفير بيئة ملائمة للمتخصصين لخلق حوار حول تأثير النسيج العمراني على الاقتصاد والبيئة والمجتمع ككل، وتحفيز قطاع العمارة على تعزيز تبني معايير الاستدامة والابتكار مستقبلاً وتوفير فرصة لتبادل الخبرات واستعراض أبرز النجاحات وخصوصاً في دبي التي تضم مجموعة من أبرز المعالم المعمارية العالمية.
إن قصة نجاح دبي في شتى القطاعات مرتبطة دائماً بالمعالم المعمارية الفريدة التي تحولت إلى وجهات لا غنى عنها لأي سائح أو مقيم، ابتداءً من فندق برج العرب الذي شكل إطلاقه نقلة جوهرية في قطاع السياحة، مروراً بأبراج الإمارات وبرج خليفة وبرواز دبي وصولاً إلى اكسبو2020.
بعد تأثير جائحة كورونا على طريقة حياتنا وتفكيرنا وتخطيطنا للمستقبل، تشكل أول فعالية متخصصة بالعمارة والعمران والتنمية والخبراء فيها، فرصة لبحث آفاق هذا القطاع والتوجهات المستقبلية وتعميق علاقتنا مع الشركاء وترسيخ مكانة دبي وجهةً أولى للابتكار والمواهب في مختلف مجالات التصميم.
كيف تسهم العمارة في خلق معالم بارزة ووجهات سياحية تشكل هوية المدينة أو البلد؟
تبرز هنا أمثلة كثيرة في دبي والإمارات بشكل عام،وهناك العديد من الإنجازات الهندسية المتميزة خلال العقود الماضية أرست جميعها معايير جديدة في مجال التصميم المعاصر وتعاملت بذكاء مع البيئة المحلية، ونرى تأثير الهندسة المعمارية على العديد من القطاعات مثل السكن، والفنادق، والسياحة والوجهات وحتى المرافق العامة حيث اسهمت على مدار الأعوام في تعزيز السياحة.
وتتعدد المشاريع العمرانية التي أضفت على الأفق العمراني والاقتصادي لدبي ألقاً استثنائياً، ومنها "برج العرب " أبراج الإمارات"، "مدينة دبي للإنترنت"، "مدينة دبي للإعلام" وغيرها.
ما هي العلاقة بين السياحة والعمارة؟
يمثل القطاع السياحي في دولة الإمارات، أحد أبرز القطاعات الاقتصادية في الدولة وداعماً للعديد من القطاعات الأخرى بما يضمن تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في إطار رؤية وطنية واضحة لبناء اقتصاد تنافسي عالمي.
تشكل المعالم العمرانية جزءا هاما من المقاصد السياحية وأضحت بعض الوجهات مثل برج خليفة مقصدا للسياح من أنحاء العالم، وللعمارة دور هام في تنشيط السياحة ومنح الخصوصية لمدننا، كما أنها تشكل البعد المادي والثقافي للسياحة فجميع النشاطات تقام في منشآت معمارية كثيراً منها تحولت إلى معالم سياحية هامة، وهنا تبرز أهمية فهم الخصائص التي تحول المبنى المعماري إلى مكان سياحي.
كما أثبتت العديد من الدراسات العالمية أن الأعمال اوالنصب الفنية التي تزين المدن والمعالم المعمارية الهامة تزيد من قيمة العقارات المحيطة بها وتسهم في زيادة مردودها على المدى الطويل، وهناك العديد من شركاء الأعمال في مجالات العمارة ضمن الحي ممن ساهموا في بناء معالم عمرانية تحولت مباشرة إلى مقاصد للسائح والمقيم بمجرد تشغيلها، مما أضاف قيمة للاقتصاد المحلي وعزز قطاع السياحة.
هل يمكن اعتبار دبي والإمارات إحدى وجهات سياحة العمارة؟
دبي هي جنة المعماريين.... هكذا تصف العديد من المجلات التخصصية المرموقة الإمارة، ونسمع هذا التعبير حتى من خلال عملنا اليومي مع أبرز الشركات العالمية المتخصصة ضمن الحي، أبدع المهندسون الذين وجدوا في دبي مساحة واسعة لإبداعاتهم. وتزخر دبي والإمارات بمعالم عمرانية يقصدها السياح من أنحاء العالم لجمالها وللخدمات والمرافق السياحية والخدمية التي تحتويها من مطاعم وأماكن ترفيه، واكتسبت بعض الأماكن في دبي شهرة عالمية بفضل تصميمها المعماري الفريد مثل العديد من المباني في دبي مارينا وفندق أتلانتس وغيرها، ويقاس نجاح بعض هذه المشروعات من الناحية الإعلامية أو التسويقية من خلال شعبيتها الواسعة في مواقع التواصل الإجتماعي، وهناك العديد من المعالم المعمارية في الإمارة التي تتميز على مستوى عالمي في نسبة ظهورها على منصات مثل انستغرام.
والهندسة المعمارية التقليدية لدولة الإمارات العربية المتحدة تفرض نفسها بقوة على المشهد العمراني وقد تأثر بها العديد من المعماريين الذين عملوا بدبي حيث استفادوا من تعاملها مع الطبيعة الصحراوية بكفاءة وادخلوا هذه العناصر في في بعض المشروعات الحديثة. ولاحظنا خلال العديد من الورش والفعاليات التي نستضيفها ضمن الحي معماريين من جنسيات أجنبية يستعرضون الهام البيئة المحلية لهم في استغلال بعض العناصر أو الاعتماد على أخرى خلال تصميم مشاريهم.
ما أهمية التطوير العمراني المستدام ومميزاته؟
نشهد في الإمارات تنامي الوعي بأهمية المباني المستدامة، ويمتلك التطوير العمراني المستدام جدوى اقتصادية تفوق مثيلتها في العمران التقليدي، وقد دخلنا مرحلة استخدام البيانات وتسخيرها في أنظمة متطورة لإدارة المباني، كما تراعي الاستدامة معايير عدة بدءا من استخدام المواد والمعدات والمنتجات الصديقة للبيئة والمعاد تدويرها، وصولا إلى تجهيز المباني بالطاقة المتجددة واعتماد أساليب ترشد استهلاك الطاقة.
وانطلاقاً من دورنا المتمثل في توفير بيئة ملائمة للابتكار والابداع في مجالات التصميم، شكلت الاستدامة محوراً هاماً في العديد من الشراكات الاستراتيجية والمبادرات التي عملنا عليها.
وتتزايد أهمية التقنيات والوسائل التي يستخدمها المعماريون لإيجاد حلول مستدامة للمباني المعاصرة وتقليل أثرها المباشر على البيئة، وثبت أن برامج محاكاة أداء المباني البيئية تخفض الأثر السلبي على البيئة، ومع التطور في وسائل الطاقة المتجددة أو الأنظمة الحاسوبية المتقدمة التي تساعد المعماري على معرفة كمية الطاقة المستخدمة في المبنى قبل تنفيذه أو ما بعد، أصبح لزاما على المصممين السير على نهج الاستدامة نظرا لآثاره الإيجابية على الحياة والمجتمع.
بالنظر إلى تكاليفها الإضافية، هل العمارة الخضراء والمستدامة مجدية اقتصاديا؟
رغم أن تشييد العمارة الخضراء قد يرفع التكلفة الأولية للمبنى بنحو 5-10%، إلا أنه يتم تعويض هذه الكلفة، وفي حين أن المعماريين قد يصممون مبان ذات عزل حراري متقدم، يحققون وفراً مباشرة بعد التشغيل بفضل تكلفة الطاقة المنخفضة، بالإضافة للفوائد المتمثلة في توفير الموارد وخفض الانبعاثات.
خلاصة القول أن التصميم المعماري هو أحد أبرز العوامل في الاستدامة.
أثرت جائحة كورونا على كثير من نواحي الحياة، هل يمكن أن تصيب أيضا العمارة وتخطيط المدن؟
فرضت جائحة كورونا نفسها على العالم وغيرت أشياء كثيرة في طريقة حياتنا، فمهوم التباعد الاجتماعي يدفع مثلا إلى توسيع الأرصفة، خاصةً في المناطق التجارية المزدحمة، ورغم الأضرار التي فرضتها كورونا إلا أنها جعلتنا نعيد التفكير في أشياء كثيرة افترضنا أنها ستستمر، ومنها كيفية تخطيط المدن واستغلال المساحات، والاستعداد لأي تحديات مستقبلية.
وهناك اليوم تساؤلات عن مفهوم المكان وهو عنصر أساسي في العمارة التي بتشكيلنا إياها نعيد في حقيقة الأمر تشكيل أنفسنا، فلا بد أن تعمل العمارة على مقاومة الخوف من الإنسان والمكان والتي برزت خلال الجائحة، وهنا تعترض أسئلة كثيرة المهندسين المعماريين والمخططين الحضريين وتستنفر قدراتهم للمساهمة في بناء المكان الذي يجمعنا معا ويعيننا على تجاوز التحديات التي تعترضنا كبشر، فنحن بحاجة لمساحات نتنفس فيها بعيدا عن الأماكن التقليدية.
وهل ستتأثر العمارة بالطباعة ثلاثية الأبعاد؟
ستغير الطباعة ثلاثية الأبعاد صورة صناعة البناء والتشييد التقليدية وتنقلها إلى مستويات غير مسبوقة، ونظرا لوجود استراتيجية دبي في هذا المجال، نعتقد أن دولة الإمارات ستغدو مركزاً للطباعة ثلاثية الأبعاد في المنطقة والعالم. ولتعزيز هذه الجهود قمنا بتوفير طابعة ثلاثية الأبعاد في حاضنة الأعمال in5 للتصميم ضمن الحي لدعم المواهب والشركات الناشئة في مجالات التصميم لاختبار افكارهم وتطبيقها على أرض الواقع.
وبالفعل بدأت الإمارات في استقطاب شركات عاملة بهذه التقنية، مدعومة بتوجهات واستراتيجيات الدولة، لاسيما "استراتيجية دبي للطباعة ثلاثية الأبعاد"، التي أطلقها في العام 2016، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بهدف جعل دبي وجهة عالمية لهذه التكنولوجيا المتطورة التي تحمل فرصاً استثمارية مستقبلية واعدة.
وشهدنا كيف دخلت بلدية دبي موسوعة "جينيس" العالمية للأرقام القياسية، بعد إتمام بناء أكبر هيكل ثلاثي الأبعاد في العالم كجزء من مبنى مطبوع ثلاثي الأبعاد بضاحية ورسان في دبي.