ربما يكون جين- مارك فالي أفضل مُخرِجٍ كندي يعمل في الوقت الحالي. وهو كذلك أحد أكثر مخرجي هوليوود انشغالاً. يشرح عمله الأخير ديموليشن سبب ذلك
بقلم | آندرو دوكروز
المشهد الافتتاحي للفلم: منظرُ جبلٍ جميل بشكل لا يوصف في كاليفورنيا الشمالية غاباتٌ كثيفة، سماءٌ واسعة، صمتٌ مطبق لا يكسره إلا صوت امرأة تُدعى شيريل. شعرها متسخ وتملأ الكدمات وجهها، وهي تكافح لتشق طريقها مرتدية جزمة تسلق مصفرّة. تخلع جوربها لتكشف عن ظفر إبهام قدمها المدمّى والعالق بالكاد بالإصبع. بعد نفسٍ عميق وجزء من أغنيةٍ للثنائي سايمون & غارفنكل تقول كلماتُها، «أفضّل أن أكون مطرقة على أن أكون مسماراً» تقتلع ظفرها... و خلال ذلك توقع فردة جزمتها اليمنى عن الجبل.
هذا هو المشهد الافتتاحي في فيلم وايلد الذي قام بإخراجه الكندي عام 2014. يتابع الفيلم مع ريس ويذرسبون في رحلتها التي تبلغ 1.800كم عبر سييرا نيفادا وكاسكيدز باحثة عن اتصالٍ جديد لها بإنسانيتها التائهة. إنّها صورة نموذجية عن المِحن التي يواجهها العالم والتي يضع فالي شخصياته فيها: معاناة، عقبة مؤلمة، ثم انتصار يُهيّئ الوضع لتأمّل أعمق.
يشرح المخرج المولود في مونتريال بصوته الناعم قائلاً، «عليك أن لا تتباهى كمخرج. لا تهتم بالأسلوب والأدوات الإخراجية على حساب الجانب الإنساني للشخصية ذاتها ولهذا السبب يفضّل فالي أن لا يصوّر إلا بواسطة طاقم عمل يقظٍ كي يكون قادراً على التقاط اللحظات العاطفية النابعة من القلب عند ممثّليه. ويعلق قائلاً، «إنّ التقاط اللحظات الإنسانية هو واجبك كمُخرِج»
كانت الانطلاقة الأولى لفالي عام 2005 من خلال فيلم سي. آر. أي. زد. واي إنه فيلم راقٍ عظيم يحاول اكتشاف العوالم الداخلية لعائلة كيبيكوس من خلال الأغاني والفنانين الذين يمثّلون شخصيات أفراد تلك العائلة: باتسي كلاين الأب الذي يعاني من أرق العلاقات المِثليّة، وزيغي ستاردست للإبن المِثلي بالسر. (من المعروف للجميع أن فالي تنازل عن أجرهِ كمنتج وكمخرج للفيلم كي يدفع تكاليف شراء حقوق النشر الموسيقي) لقد أُعلِن الفيلم السنة الماضية كثامن أفضل فيلم كندي على مرّ العصور في استطلاع مهم لآراء صانعي الأفلام والنقاد. ولكن ما جعل مطلوباً جداً هو فيلم دالاس بايرز كْلَب الذي عرض عام 2013. حقّق هذا الفيلم نجاحا تجارياً ونقديا رائعاً – حيث حقّق عائدات تُقدّر بحوالي 55 مليون دولار مع العلم أنّ ميزانيته كانت 5 مليون دولار، كما فاز بثلاثة أوسكارات. لقد أصبح الآن الشخص الذي يتمّ استدعاؤه ليخرج الأفلام الناضجة التي تدور أحداثها حول الجانب الإنساني للشخصيات. حيث امتنعت هوليوود عن تقديم أفلامٍ كهذه سعياً وراء أفلام الأبطال الخارقين. لم تكن اللمسات الأخيرة لفيلم دالاس باير كْلَب قد انتهتْ بعد عندما اختارته شركة ويذرسبونز برودكشن ليخرج فيلم وايلد، وقبل أن يُعرَض وايلد في الصالات كان قد أنهى تصوير فيلمه الأخير ديموليشن والذي سيحظى بإطلاقة واسعة في الثامن من نيسان.
تتجلّى المعاناة في هذا الفيلم في شخصية مصرفيٌّ غير قادر على التعبير عن عواطفه. إنه يجد نفسه غير متأثّر بوفاة زوجته. لم يجد فالي الممثل الذي يمكن أن ينجح في استثارة التعاطف لدى الجمهور في هذا الدور إلا بعد أن أجرى تجربة الأداء لجيك غيلينهال في الدور الرئيسي. يقول المخرج عن ممثله الرئيسي هذا «إنه يثير اهتمامك في اللحظة التي تسلّط الكاميرا فيها على وجهه. توحي تعابير وجهه بالطيبة، فهو وسيم ويوحي مظهره بأنّه إنسان جيّد. لا يمكنك إلا أن تلاحقه في كل أفعاله» بالإضافة إلى ذلك، هناك عدّة أمور تجذبك لهذا الفيلم منها المشهد الافتتاحي المجازي لاقتلاع ظفر القدم والذي يحوي الكثير من العنف حتى لو لم يكن طويلاً، أضِف إلى ذلك الأدوات الفنيّة الاحترافية المتوفرة في الفيلم، ولا تنسَ حضور الممثلة ناعومي واتس، وأخيراً هناك مواقف مثيرة للضحك أكثر مما تتوقع مشاهدته في فيلم جادّ كهذا.
يستحقّ فالي بعض الراحة بعد النجاح المُذهل الذي حققه في ثلاثة أفلام متتابعة خلال الفترة الماضية. ولكن عوضاً عن الاسترخاء تراه ينضمّ إلى مسيرة مخرجي الأفلام العِظام من خلال قيامه بتلك القفزة إلى التلفزيون (الراقي) ليقوم بإخراج سبع حلقات من مسلسل بيغ ليتل لايز من إنتاج إتش بي أو. انه مسلسل بوليسي تجري أحداثه في بي تي إي لاند وهو يجمع بين مُخرجٍ من الطِّراز الأول ونجوم سينمائيين كبار مثل ويذرسبون ونيكول كيدمان وشايلين وودلي. لقد بُني هذا المسلسل على أحداث قصة حققتْ أعلا المبيعات. وكما الحال في تلك القصة يقدّم المسلسل شخصيات نسائية قوية. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع هذا العمل بجوّ من المرح وخفّة الدم. ولكن الأمر الذي يتميّز به هذا المسلسل عن أيّ عمل آخر يروي قصة بوليسية قائمة على جريمة هو إبقاء شخصية كلّ من القاتل والضّحية سرّاً إلى آخر الفيلم.
وبعد ذلك: فيلم يروي السيرة الذاتية للمغنية جانيس جوبلين من بطولة إمي أدامز، وفيلم عن المحاولة الفاشلة لعبور نورثويست باسيج التي قام بها سير جون فرانكلين وزوجته الرائعة التي خلّفها وراءه في لندن، وسفينته المحكومة بالهلاك، وقلبه المُصرّ على البقاء نابضاً حتى بعد الموت. هذا الفيلم سيكون عملاً ضخماً.