يرتقي بطل كرة القدم الإسباني بالرياضة في الشرق الأوسط إلى مراتب أعلا. إنه هنا ويخبرنا عن أخر مغامراته بينما هو يتجوّل في أنحاء دبي الجميلة بسيارته ليستمتع بكل مناظرها الخلابة
تصوير - مالك فيومي
يوقف ميشيل سالغادو سيارته الكورفيت الحمراء عند منزله في نخلة جميرا. يلفح النسيم الربيعي العليل وجهه بلطف في فترة ما بعد الظهيرة المثالية للقيام بجولة في أنحاء دبي. يخرج نجم ريال مدريد السابق من سيارته كورفيت زد 06 مرتدياً كنزة خفيفة بيضاء وبنطالاً رياضياً. وعلى الرغم من كونه متقاعداً، إلا أن هذا النجم البالغ الأربعين من عمره ما يزال محتفظاً ببنيته الجسدية المثالية وكأنه قد أكمل لتوه بطولة كأس العالم
يعيش حالياً في دبي وهو سفير عالمي لاتحاد كرة القدم الإسباني لذا فهو يلعب دوراً هاماً في تشجيع الرياضة في الشرق الأوسط. إنه مدير أكاديمية كرة القدم في المدينة الرياضية في دبي. كما أنه مدير بطولة دو لكرة القدم. ومنذ انتقاله إلى دبي كانت مبادرته الأولى في الأكاديمية أن يستفيد من خبرته في كرة القدم ليساعد الأطفال في هذا البلد ليطوروا مهاراتهم الرياضية
اسمعه يقول، "لقد أتيتُ إلى دبي لأول مرة عام 2003 ووقعت في غرام هذه المدينة والفرص التي توفّرها. ورأيت لاعبي كرة قدم يافعين من الدرجة الأولى في العالم العربي. إنهم متعطشون للحصول على فرصة ليلعبوا بشكل محترف. نعلم تمام العلم أن هؤلاء الصِبية بحاجة إلى التدريب الاحترافي لمساعدتهم في تحقيق أحلامهم بأن يصبحوا لاعبي كرة قدم محترفين، وهذا الأمر هو تماماً جوهر التزامي بتطوير مستقبل الرياضة في الإمارات العربية المتحدة". يسعى سالغادو للترويج للرياضة عبر الحدود. وخلال سعيه هذا تراه يسافر عبر دول الشرق الأوسط من خلال البرنامج التلفزيوني ذا فيكتورياس الذي يبَث على قنوات دبي ودبي الرياضية، ويبحث عن مواهب واعدة في كرة القدم وبعضهم من بيئات فقيرة جداً. إنه يقول، إنني في بالغ الفخر بما ننجزه من خلال برنامج ذا فيكتورياس حيث أننا نمنح فرصة العمر لأطفالٍ عرب ليس لديهم أي هدف يناضلون من أجله
إنّ رعاية المواهب الصغيرة الواعدة هو الأمر الأشدّ تحدّياً في العمل في مجال مبادراتٍ كهذه. قد يكون اكتشاف الأفراد الصغار اللامعين الواعدين بمستقبل مشرق عملية مضنية تتطلّب الكثير من الجهد، ولكنّ يتمثل التحدي الحقيقي في توجيههم بواسطة المحترفين المناسبين، وهو أمر متعب بالتأكيد. يقول سالغادو، "من خلال تجربتي في العالم العربي، يمكنني القول بأن مواهب شمال أفريقيا والمشرق العربي تحتاج إلى التنظيم والموارد لأنهم متعطشون للنجاح، أما تلك المواهب القادمة من الخليج العربي فهي تفتقر إلى الالتزام والتنافسية لأن نمط الحياة في أغلب دول الخليج سهل للأطفال وهذا لا يساعدهم على أن يكون لديهم الروح التنافسية في الحياة الواقعية. ولهذا فإننا في مدارس كرة القدم الإسبانية نقوم باختيار الأطفال في أعمار صغيرة تبدأ من 3 سنوات بحيث نحصل على الوقت الكافي لنصقل شخصياتهم ونساعدهم في مواجهة التحديات التي يمكن أن تواجههم
يدرك سالغادو بأنه لن يصبح كل الأطفال لاعبي كرة قدم محترفين، ولكن مع ذلك إنّ البرامج المماثلة تشكّل نقلة نوعيّة، لأنّ مبادرات كهذه تسمح للكثيرين بأن يتابعوا دراستهم بينما هم يلعبون كرة القدم
إنّ مبادرة بطولة دو لكرة القدم التي يترأسها سالغادو تفتش عن المواهب المغمورة في دولة الإمارات العربية المتحدة مع إعطاء الأطفال فرصة السفر إلى إسبانيا حيث يتمّ تدريبهم من قِبل مدربي الدوري الإسباني. يقول سالغادو ، "لا يقتصر الدوري الإسباني على فريقي ريال مدريد وبرشلونة، إنه أوسع من ذلك بكثير. هدفنا الرئيسي هو الأطفال. وهذه طريقة رائعة لجلب الدوري الإسباني إلى الشرق الأوسط – للمساعدة بمنح الأطفال فرصة أفضل بالحصول على مسيرة مهنية في لعب كرة القدم. إنني مسرور جداً لأنني أستطيع أن أستخدم خبرتي في اللعب حول العالم لأساعد في تطوير كرة القدم عند عشاقها المحليين هنا وبذلك أساعد في تأمين مبادرات أكثر لهذا الجزء من العالم
يدرك سالغادو العوائق الكبيرة التي تواجهها كرة القدم في منطقتنا والجهود الكبيرة المطلوبة لترويج هذه الرياضة. وهو يؤكّد على الفكرة التالية، "إننا نعيش فترة مثيرة بالنسبة لكرة القدم في الشرق الأوسط. ستجري بطولة كأس العالم في قطر. وسيكون هذا الأمر نقطة انعطافٍ رئيسية هنا وإنه سيشكّل سابقة عندما تحدث احتفالية ذات مستوىً راقٍ وعالمي من هذا النوع في العالم العربي. أعرف الكثير من عشاق كرة القدم في الشرق الأوسط. ولكنهم يعانون من مشكلة. إنهم يحبون مشاهدة برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد وإسبانيا وإنكلترا وإيطاليا أكثر مما يحبون مشاهدة فرق ولاعبي بلادهم. علينا أن نغيّر هذه العقلية. أعتقد أنه عليهم أن يفتحوا أعينهم ويحاولوا أن يدعموا كرة القدم المحلية و الوطنية أكثر. ويتجلى الأمر الأكثر أهمية في افتقار أكاديميات كرة القدم المحلية إلى الاحترافية والتنظيم. إنها تُعتبَر نوادٍ اجتماعية ليس لها دور في تثقيف الأطفال من خلال قِيَم كرة القدم أو في تطوير لاعبي كرة القدم المحترفين من خلال التأكيد على الفكرة الصحيحة للمنافسة
لقد حقق سالغادو الكثير من الإنجازات خلال مسيرته الرياضية، فقد مثل بلده في الفريق الوطني الإسباني ونافس في أكثر من 300 مباراة في الدوري الإسباني ولعب في بطولة كأس العالم لعام 2006 وفي بطولة الأمم الأوربية. وهو يَعتبر نفسه محظوظاً جداً لإحرازه إنجازات عظيمة كهذه. إنّه يتذكر قائلاً، "لقد كان دخولي الأول إلى سيلتا فيغو مميّزاً حقاً لأنني أدركتُ عندئذٍ أنني يمكنني أن أكون لاعب كرة قدم محترف. كنت أحلم بهذه اللحظة منذ طفولتي، وأخيراً أتتْ بعد طول انتظار. ما زلت أذكر المرة الأولى التي مثلتُ فيها بلدي في الفريق الوطني عام 1998، حيث كان أمراً مميزاً جداً بالنسبة لي. كما كان الفوز ببطولة دوري أبطال أوروبا مرّتين مع ريال مدريد من أبرز إنجازات مسيرتي الرياضية
بدأ سالغادو بممارسة كرة القدم في الخامسة من عمره مع فريق الحي الذي يسكنه، كما شارك في بطولة فرق المدينة. يقول سالغادو، "كنا نلعب ضد فريق أكاديمية سيلتا فيغو وكنا غالباً ما نهزمهم. وفي أحد الأيام أتى أحد أساطير ذلك الفريق وطلب من أبي أن أنضمّ إلى النادي. كنتُ في الحادية عشرة من عمري في ذلك الوقت، وأخبَره والدي أن القرار يعود لي. في عمر الثانية عشرة انضممتُ إلى سيلتا فيغو وبدأت مسيرتي في كرة القدم. لقد كان ذلك أشبه ما يكون بحلم أمسى حقيقة
استمرّ سالغادو في اللعب لصالح فريق سيلتا فيغو لمدة أربع سنوات إلى أن أتت انطلاقته الكبيرة مع ريال مدريد عندما وقّع عقداً معهم عام 1999. وحلّقت مسيرته الكروية لعقد كامل من الزمن مع هذا الفريق كما مثل الفريق الوطني أيضاً وفاز ببطولة أوروبا لعمر تحت 21 سنة ولعب في كأس العالم والبطولات الأوروبية
يقول سالغادو، "كان فيسينتي قائد فريق سيلتا فيغو مَثلي الأعلى عندما كنتُ صغيراً. أردتُ أن أصبح مثله. كان دييغو مارادونا لاعبي المفضّل وكنتُ محظوظاً بالعمل معه فيما بعد. كما كنت أكنّ أحترماً كبيراً للاعبين آخرين من بينهم بارند شوستر وزيكو
تشكّل كرة القدم شغفاً أصيلاً بالنسبة إلى سالغادو لدرجة أنها مصدر كل إلهام في حياته. ويقول، "سأبقى مديناً لكرة القدم ما حييت، منحتني كل ما أملك، وفي حالتي كانت هي طريق الخلاص بالنسبة لي كي أتجنّب المخدرات والأشياء السيئة الأخرى التي كانت سائدة في حيي ومدرستي حيث نشأت. لقد كانت تلك الفترة سيئة بكل ما في الكلمة من معنى وشاهدتُ الكثير من أصدقائي يقعون فريسة الانهيار. لهذا الأمر تجدني أحارب كل يوم محاولاً ردّ الجميل لكرة القدم من خلال استعمال خبرتي في مساعدة الأطفال وتحريضهم ليسعوا ويكافحوا ويعملوا بجد وإصرار من أجل تحقيق أحلامهم
لقد تغيّر نمط حياته اليوم من محترف رياضيّ إلى مَثل أعلا للأطفال ولآلاف الراغبين بتحقيق أحلامهم. وهو يدرك كرياضيّ محترف أهميّة أن يضع المرء نصب عينيه مثلاً أعلى ليحذو حذوه
يتابع قائلاً، "يشكّل لاعبوا كرة القدم مثلاً أعلا لملايين الأطفال حول العالم، إنهم يريدون أن يصبحوا مثلنا، ومن الواضح أنّ هذا الأمر يشكل دافعاً لا يمكننا التقليل من شأنه. لقد كنتُ على هذا النحو عندما كنت طفلاً. وعندما أنظر إلى الماضي الآن أرى تطابقاً في هذا الأمر بين سلوكي آنذاك وسلوك أطفالي الآن. لهذا تراني أخصّص الكثير من وقتي في أكاديمية كرة القدم بالمدينة الرياضية في دبي لمساعدة اليافعين في الإمارات العربية المتحدة. تتلخّص فكرتي في أنك يمكنك إيجاد لاعب في أي مكان، إذاً عليك أن تمنحهم فرصة وسبيلاً ليحاولوا تحقيق أحلامهم
يَشتهِر سالغادو بتبنيه لأسلوب عدائيّ في الملعب لكونه مدافع ذكي جداً وذو موقف تنافسي على الدوام مما يعكس شخصيته. اسمعه يقول، "عندما كنت ألعب لصالح ريال مدريد كان عليّ أن أحارب للحفاظ على مركزي كل يوم، لذا كنت دوماً أحرّض نفسي نحو المضي إلى الأمام، تماماً كما أفعل في حياتي الواقعية خارج الملعب. إنني أكافح على الدوام كي أفوز، والأمر الأكثر أهمية أن أفوز بأسلوب أنيق
لقد اشترك سالغادو مع زوجته مؤخراً في إطلاق مؤسسة خيرية لدعم المواهب اليافعة المحرومة في منطقة غاليشيا في إسبانيا. ويقول، "لقد بدأنا مشروعنا على مستوىً ضيق، محاولين الحفاظ عليه ليبقى ذو طابع شخصيّ وواقعيّ على أمل أن نتوسع فيه ليستطيع أن يلعب دوراً هامّاً في حياة الأطفال عبر إسبانيا كلها
بالإضافة إلى ذلك، دعم ميشيل شيفروليه ومشروع ون وورلد بلي بروجيكت من خلال استضافة جلسات تدريبية للأطفال. وساعد خلال كانون الأول الماضي بالتبرّع بخمسة آلاف كرة فائقة المتانة لأطفال يعيشون في مناطق محرومة في الأردن
إن سالغادو هو سفير العلامة التجارية لسيارات شيفروليه في الشرق الأوسط منذ 2014. ويقول، "حالما تسمع كلمة شيفروليه يخطر في بالك الأداء والروح الرياضية والإعتزاز، وأكثر ما أحبه في المسؤولين عن هذه العلامة التجارية أنهم يدعمون رياضات الصغار. كلانا نفهم الدور الأساسي الذي يمكن لكرة القدم أن تلعبه من حيث تطوّر الأطفال والمجتمعات وبالتأكيد إن مساعدة الأطفال على المشاركة بالأنشطة الرياضية لا تكتفي بتعليمهم مهارات فنية بل تتجاوز ذلك لتعلمهم قيَماً هامة ومهارات حياتية أساسية كالعمل الجماعي والقيادة والعاطفة والإخلاص
تتضمّن إحدى النشاطات المفضلة عند سالغادو الرياضات المائية. بما أنه يعيش في دبي فلا بد للشاطئ أن يكون أحد أفضل وسائل الترفيه لديه. ويقول، "أستمتع بأن أكون في البحر أسابق الأمواج على لوح ركوب الماء. أشعر بالحرية عندما أكون في وسط البحر. يعرف من وُلدوا في مدن ساحلية هذا الشعور حق المعرفة. أعتقد أن هذا هو أيضاً سبب تعلّقي بالإبحار، إنني فخور باليخت الذي لدي والذي يحمل اسم تيبو تو
إن كلمة تيبو هي اختصار لكلمة تيبورون والتي تعني بالإسبانية القرش، وهو الاسم الذي اعتاد أن يناديه به أصدقاءه في مدينته الإسبانية فيغو
يقول، "بما أنني أعمل بمهنة التدريب في الوقت الحالي وفي تعلّم المزيد بهذا المجال، فإنني أقضي وقتاً طويلاً في دراسة كرة القدم. إنها طريقة رائعة لكي تبقى مسايراً لآخر المستجدات ولتجد أسلوبك التدريبي الخاص بك". كرة القدم في تطوّر مستمر ولا يمكنك أن تعلق في رمال الماضي
يعبّر سالغادو عن تعلّقه بكرة القدم قائلاً، "كرة القدم هي حياتي، ولا يمكنني تخيّل أن تقفّ كرة القدم عن لعب دورٍ أساسيّ في حياتي. أركّز في الوقت الحالي على تنمية مجتمع كرة القدم في الشرق الأوسط وعلى متابعة التوسّع بالتزاماتي الإعلامية الرياضية. قد تأتي مرحلة في حياتي أنتقل فيها إلى الاحتراف كمدرّب، ولكني لا أريد أن أتعجّل الأمور، حيث إنني لم أكن أعرف بأني سأستمتع بتنمية الاهتمام الواعي بكرة القدم بالقدر الذي أشعر به حاليّاً
"ومع ذلك، لا يوجد شيء في الوجود أحبّ إلى قلبي من تمضية الوقت مع زوجتي وأطفالي الثلاثة إنّ أوقاتي برفقتهم هي أثمن اللحظات التي أستمتع بها في حياتي. أتشوّق للسفر برفقة عائلتي. إننا نستمتع برؤية أشياء جديدة وأناس مختلفين – بحيث أننا نختبر الحياة ونجمّع ذكريات لا يمكن لأحد أن يسلبنا إيّاها