مصنّع المتنوجات الجلديّة الراقية في لندن "إيتينغر"، هو شركة عائليّة منذ 83 عاماً. يحدّثنا روبرت إيتينغر، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، عن المحافظة على "الخاصيّة البريطانيّة" للماركة في خضمّ المنافسة في السوق العالميّة
حدّثنا عن أصل الشركة وعن الأعمال اليوم
أسّس كل من جدّي ووالدي، إدي إيتينغر، الشركة عام 1934. بدآ بتصنيع المنتوجات الجلديّة في محترف قرب سميثفيلد ماركت الذي كان مركزاً لصناعة الجلود في لندن. كلّ شيء في مصنعنا في برمنغهام مصنّع يدويّاً، وبالرغم من كوننا ماركة تقليديّة جدّاً، إلا أن منتجاتنا عصريّة المظهر والتصميم. العديد من عمّالنا هم من الجيل الثاني والثالث والرابع، أجيال من العمّال، والبعض منهم يتذكّرون حين كانوا صغاراً ويجولون في أرجاء المصنع حيث كان أهاليهم يعملون
ما هو الشعور أن تكون جزءاً من إرث "إيتينغر"؟
أنا الجيل الثالث الذي يهتمّ بالماركة. حين كنت صغيراً كنت أزور المصنع حيث اكتسبت المهارات والتدريبات لأن أخلف والدي حين يتقاعد. بعد 25 عاما تقريباً في هذا المجال، قرّرت أن أنضمّ إلى أعمال العائلة عام 1980، وفي عام 1995 استلمت مقاليد الشركة من أبي وأصبحت المدير العام لـ"إيتينغر"، لندن. وجاء كلّ شيء بشكل طبيعيّ بالنسبة إليّ كما لو كان ذلك حقّي. نحن من القلائل الباقين من شركات المنتوجات البريطانيّة الجلديّة الراقية التي لا تزال تصنّع في بريطانيا ونفتخر بأنفسنا بتصميمنا وأعمالنا الحرفيّة لأرقى المنتوجات فقط
نتعاون فقط مع أفضل الرجال والنساء الحرفيّين في بريطانيا ونحسّن باستمرار في التحكّم بالجودة لضمان أعلى المعايير في كافّة جوانب عمليّة الإنتاج. يلزمنا خمس سنوات تقريباً لنمرّن حرفيّاً جديداً في إيتينغر
لا بدّ من أنّ والدك ملك شغفاً لأعمال العائلة إذ بقي يعمل حتّى عامه الـتسعين. ما هو الدرس الأكبر الذي علّمك إياه؟
علّمني بأن العمل مهمّ جداّ، ولكنّ الأهم هو إيجاد التوازن في الحياة. تعمل جاهداً من الساعة 8 وحتّى 5:30، ولكن عليك أن توازن ذلك في المقابل، لكي تأتي في اليوم التالي أفضل وأنشط وأكثر حماساً للعمل. أعتقد بأن العديد من الأعمال البريطانيّة القديمة طبّقوا ذلك. أعتقد بأن الشركات التي تهتمّ بموظّفيها وبفِرَقها تستمرّ وتنجح لمدّة أطول. وهذا يحدث فرقاً كبيراً
ما هي المميّزات التي تفرّق منتوجات إيتينغر عن غيرها من المنتوجات الجلديّة، وبالتحديد كونها ماركة بريطانيّة؟
ما يفرّقنا عن غيرنا هو استخدامنا للجلود البريطانيّة، التزامنا بالجودة وبالطبع الضمان الملكي من سموّه أمير ويلز – رمز للجودة والثقة
نحن نستخدم جلوداً طبيعيّة بريطانيّة بامتياز كالتي تُستخدم تقيليديّاً في صنع لجام الحصان وسرجه، بدون إدخال أية موادّ كيميائيّة للحرص على ألا يُصاب الحصان بأيّة حساسيّة حين يتعرّق
لا تعتمد الماركة على إظهار علامتها التجاريّة بشكل صارخ وفي كلّ مكان، ولكنّها تحدث فرقاً. لا تُلحق منتوجانتا بآخر صيحات الموضة؛ بل على العكس فقد جعلت الماركة أسلوباً خاصاً بها ووفيّاً لمقاربتها الأنيقة والكلاسيكيّة والمعاصرة في آن. المحفظات الجلديّة مثلاً تتشابه كلّها بشكلّ عام – المحفظات السوداء والبنيّة في الداخل والخارج. من المدهش كيف أن مجموعاتنا، وبعضها يعود تصميمها إلى الأربعينات والخمسينات، لا تزال قائمة حتّى اليوم. لا تزال محفظاتنا مصنّعة بالطريقة نفسها تقريباً كما كانت تصنّع من قبل، وجميعها في إنكلترا
ما هي أنواع الجلود التي تتخصّصون بها وما هو مصدر موادكم الأوّليّة؟
يبدأ كلّ شيء بالمواد الأوليّة – نحن نستحصل على أفضل الجلود، أفضل الخيطان والقطع – فبدون هذه، لن تبدو منتوجاتنا جيّدة مهما كان تصنيعها ماهراً. نحاول بأن نستحصل على موادنا الأوّلية محليّاً من بريطانيا بقدر المستطاع. جلدنا مصنّع من جلد الحيوانات عبر الطريقة التي تُعرف بالدباغة. هذه الطريقة تحافظ على الجلد ولولاها فهو يتحلّل سريعاً ويهترىء. أجريت عدّة محاولات لخلق جلد اصطناعي ولكنّ لا مجال للمقارنة مع الأصلي الذي يضمن المتانة والشكل والمظهر
حين يصل الجلد من الدبّاغة، يليه 85% من العمل اليدويّ لتصنيعه. يستخدم "إيتينغر" عدّة أنواع من الجلود ولكنّ المفضّل لديّ هو جلد "البرايدل" الذي ما زلنا نستخدمه منذ 80 عاماً
بالإضافة إلى ذلك فنحن نستخدم جلد البقر والماعز والعجل والـ"موك-روكو". هذا الأخير هو جلد تمساح زائف مصنوع من جلد البقر الإيطالي ويبدو حقيقيّاً أكثر من أي جلد تمساح فعليّ رأيناه من قبل. وهناك أيضاً الجلد المشمّع والمدبوغ بطريقة سلسة
إن الجمع ما بين الجودة والسرعة في التصنيع، مهارة كبيرة لدى "إيتينغر". يبدو العمل سهلاً، ولكنّني أؤكّد لك بأن العمل أصعب بكثير مماّ تعتقد
العديد من الدبّاغين المعروفين في أوروبا وشمال أمريكا قد نقلوا مصانعهم إلى آسيا أو أمريكا اللاتينيّة حيث التصنيع أرخص. ولكنّك لم تفعل ذلك. ما هو باعتقادك العنصر الأهمّ الذي أبقاك في المنافسة بدون أن تنقل صناعتك إلى الخارج؟
إنّ الإبقاء على الصناعة الكاملة في إنكلترا يمنحنا كامل التحكّم بالمواد الأوليّة، بالتصنيع وباللمسات الأخيرة. فإذا كانت المواد سيّئة على سبيل المثال، نعيدها ونستحصل على غيرها، وهذا غير ممكن لو كنّا نصنّع في الشرق الأقصى. أيضاً، نزيد على أصالتنا حين نصنّع في إنكلترا. يُظهر الأشخاص خارجاً الإحترام للخاصيّة الإنكليزيّة أكثر مما نفعل نحن هنا. وهذا ما نعوّل عليه في أعمالنا
كيف تحاولون تسويق ماركتكم عالميّاً؟
في الإمارات العربيّة المتّحدة، نحن نقوم بالكثير من التسويق والعلاقات العامّة لكي يتآلف الزبائن المحتملين مع ماركتنا أكثر. ونضع الإعلانات أيضاً في الكثير من المجلات العالميّة
السوق الأقوى للمنتوجات الجلديّة الراقية خارج بريطانيا هي في الشرق الأقصى، اليابان، كوريا، تايوان والصين. اليابان هو واحد من أهمّ أسواقنا ما وراء البحار وماركتنا هناك معروفة جداً. يحبّ اليابانيّون "إيتينغر" فعلاً؛ هم يقدّرون نوعيّة العمل الحرفيّ والإهتمام بأدقّ التفاصيل، ويحبّون حقّاً ما نقدّمه
أعتقد بأننا أخذنا بعين الإعتبار الفروقات من جهة الأسلوب والتصنيع. قبل سنوات عدّة، حين بدأنا بالبيع في اليابان، صدّرنا طلبيّة إلى طوكيو ولكنّ قام الموزّع باسترداد قسم منها زاعماً بأنّها ليست جيّدة كفاية لهم، الأمر الذي فاجئنا لأنّ هذه المنتوجات جيّدة كفاية للمحلات الكبيرة كـ"فورنتوم أند مايسون" و"هارودز". بعد ذلك بقليل، ذهبت إلى اليابان مع بعض القطع من الطلبيّة المرفوضة، فأخذوها إلى غرفة التحقيق حيث وضعوها تحت المجهر وأظهروا لي بأن في بعض أجزاء المحفظة، هناك 12 قطبة بالإنش أما في أجزائها الأخرى فهناك 13 قطبة بالإنش. لم تكن المسألة مسألة جودة وكان سهلاً جدّاً أن نغيّر قطباتنا ونساويها إلى 12 قطبة في كافة الأجزاء، ولكنّ المسألة عكست إختلافاً في أنماط التفكير. حاليّاً نحن نعمل بحسب المعايير اليابانيّة في كلّ منتوجاتنا، ما سمح لنا بأن نرتقي بتصنيعنا إلى مستويات أعلى بكثير من تلك التي كنّا نحدّدها لأنفسنا من قبل
كما أجرينا التعديلات في تصاميمنا آخذين بعين الإعتبار الأذواق العالميّة، لا سيّما للأسواق اليابانيّة والصينيّة. ففي اليابان، تُعتبر قلّة احترامٍ أن تضع العملات المعدنيّة في جيب البذلة، فكان علينا أن نخلق محفظات مع قسم إضافي للعملات المعدنيّة، وهذا أمرٌ لا نحسب له حساباً في بريطانيا. في الصين، أدخلنا التعديلات المكبّرة في محفظاتنا وحقائبنا لأنه تبيّن لنا بأن الصينييّن يحملون الأموال النقديّة بكميّات أكثر بكثير مما نحمل نحن في بريطانيا. فضمن حدود المعقول، نقوم بالعديلات والتحسينات اللازمة لسوق معيّنة
أنتم تسوّقون لمنتوجاتكم من خلال محلات االبيع بالمفرّق في بريطانيا والعالم. كم هو صعب أن تكبّروا ماركتم للزبائن العالميّين؟ من الواضح أن الأمر كان ليكون أسهلاً لو كنتم تملكون متاجركم الخاصّة
لدى "أتينغر" متجران خاصّان بها في لندن وآخر في طوكيو. عدا هاذين الإثنين، تسوّق منتوجات "إيتنغر" عبر محلّات البيع بالمفرّق في بريطانيا والعالم. لقد كان تحدّياً لنا أن نبيع منتوجاتنا في وجه المنافسة من الماركات الأخرى التي تملك متاجراً خاصّة بها. ولكننّا نعمل مع موزّعينا في مختلف البلدان إقامة مساحات خاصّة بـ"إيتينغر" ضمن هذه المحلّات وتدريب الموظّفين على معرفة منتوجاتنا بقدر ما نعرفها نحن
في الشرق الأوسط، تتوفّر منتوجاتكم في متاجر البيع بالمفرّق في أبو ظبي، دبي ومسقط. هل هناك احتمال في أن تتوسّعوا إلى مدن أخرى في المنطقة؟
على الأرجح نعم. لقد تلقّينا اهتماماً كبيراً من الشرق الأوسط، وتوسيع توزيعنا هو من خططنا المستقبليّة
ما هي الصيحات التي يهتمّ بها الزبائن في الشرق الأوسط خلافاً لأهواء الزبائن العالمييّن؟
وجدنا بأن زبائننا في الإمارات العربيّة المتّحدة يحبّون الألوان التي نعرضها من "إيتينغر" والتي لا تعرضها الشركات الأخرى. لحسن الحظّ بإنّ موزّعنا في الإمارات ”او بي اس لايف ستايل“ يفهم الماركة جيّداً وقد أدخلها إلى الإمارات
كيف تلقّى الزبائن في هذه المنطقة منتوجاتكم ومجموعاتكم؟
إنّه تحديّاً أن تدخل إلى أسواق جديدة. لحسن حظّنا الأشخاص في الشرق الأوسط يملكون الذوق الرفيع للمنتوجات الراقية وعالية الجودة. وبوقت قصير بعد دخول "إيتينغر" إلى السوق، نالت حظوة كبيرة. فهم يستطيعون أن يميّزوا ما بين المنتوجات ذات النوعيّة الفضلى وغيرها، يقدّرون البراعة في التفاصيل المجمِّلة ويعشقون القطع الفريدة من نوعها ذات التصاميم الجريئة والضمان الملكي
على الرغم من حملات الوعي لحماية الحيوانات، لا يزال الهوس كبيراً في الجلود. لماذا؟
لأنه المادّة الوحيدة التي يمكن تصنيعها إلى أكسسوارات جميلة. كانت هناك محاولات لتحويل البلاستيك إلى ما يشبه الجلد ولكنّ البلاستيك لا يتنفّس وليس مطاوعاً ولا يظهر جميلاً كالجلد
حين تنظر إلى الخلف، على مدى 83 عاماً منذ أن تأسست شركتك، كيف تصف علاقة الرجال مع الجلد، مع حقائبهم الجلديّة مثلاً؟
حين تأسست الشركة عام 1934، مجمل متنوجاتنا كانت الحقائب الجميلة ولكنها كانت ثقيلة. الأمر عادي حين كان لديك حمّالين في كلّ مكان، ولكنّ اليوم لم يعد الأمر كذلك. لهذا، بدأت "إيتينغر" بتصنيع منتوجات جلديّة أصغر كالمحفظات وحقائب اليد، حتّى أن هذه الأخيرة قد تغيّرت عبر التاريخ. لم تكن بطاقات الإعتماد موجودة في الثلاثينات، أما اليوم فهي كثيرة جداً
هل يقوم الرجال اليوم بشراء الحقائب أكثر؟
يشتري الرجال اليوم الحقائب ذات الغطاء الأعلى أكثر من أي وقت مضى وتلك التي تحوي على أقسام عديدة لوضع الكوبيوتر المحمول وقطع الكترونيّة أخرى. لهذا فنحن نجدّد على منتوجاتنا لكي تتناسب مع العصر الإلكتروني
حدّثنا عن المجموعة الخاصة بالرجال. ما هي قطعتك المفضّلة في هذه المجموعة؟
لدى "إيتينغر" المجموعة الخاصّة بالرجال الأكبر من أيّ مجموعة مصمّم أو مصنّع في العالم، مع خيارات واسعة من حيث التصميم والألوان وأنواع الجلود. قطعتي المفضّلة في هذه المجموعة هي المحفظة-الميني التي تباع أكثر من أيّة قطعة أخرى
يقولون بأنك معجب بـ"هرمس" كشركة. كيف تستوحي من تصاميمهم؟
إن شركة "هرمس" التي لا تزال سائدة منذ القرن التاسع عشر، بقيت وفيّة لالتزامهم للتصنيع اليدويّ للمنتوجات الجلديّة. واستطاعوا أن يحافظوا على قيم الماركة عبر التاريخ لا سيّما خلال الأوقات التي لم يعد تصنيع المنتوجات الجلديّة الأصليّة فيها مربحاً، والتصنيع اليدويّ لم يكن يلبّي حاجة الأسواق العالميّة
الشركة العائليّة متمسّكة جدّاً بهيكليّة العمل التقليديّة وترفض التصنيع الجماعي والميكانيكيّة. تشارك "إيتينغر" القيم ذاتها، ومن هنا يأتي الإعجاب. أنا معجب أيضاً بالماركة اليابانيّة "سيبريس" التي تصنّع منوجات جلديّة جميلة
هناك الكثير من العمل اليدويّ في متنوجاتك. كم من الوقت يتطلّب تصنيع كلّ قطعة؟
يلزمنا عادة من ستة إلى إثني عشر شهراً لإطلاق مجموعة جديدة من الفكرة الأساسيّة إلى وضع المنتج على الرفّ. أحياناً يلزمنا وقت أكثر لأننا في "إيتينغر" نختبر كلّ قطعة ونجرّبها للتأكد من عمليّتها. هناك الكثير من العمل اليدويّ في تصنيعنا، فعلّاقة مفاتيح بسيطة يمكن أن تتطلّب ساعة من العمل، وثلاثة إلى أربعة أيّام لخياطة حقيبة أخرى
هل لديك تطوّرات جديدة تودّ أن تشاركها مع قرّائنا؟
تقوم "إيتينغر" بتصنيع مجموعة جديدة من القطع الجلديّة للرجال، وستطلق خلال الصيف القادم، وهي مصنوعة من الجلد الليّن الذي كنا نستخدمه في الخمسينات