تقع منطقة فالنسيا ذاتية الحكم على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة الإيبيرية، وهو مكان يضم بقايا التاريخ القديم المختلطة بأسلوب حياة عصري حيوي متوسطي. وتعتبر مدينة فالنسيا عاصمة هذه المنطقة وثالث أكبر مدينة في إسبانيا بعد مدريد وبرشلونة واليوم، أصبحت المدينة، التي يعود تاريخ تأسيسها إلى سنة 138 قبل الميلاد، تشكل عصبًا حيويًا للتجارة. وتتباهى فالنسيا باحتوائها على خامس أنشط ميناء للحاويات في أوروبا، وهي كذلك من أكثر المدن حيوية في استضافة المعارض والمهرجانات الدولية على مستوى القارة، لكن السيّاح من حول العالم ينجذبون إلى وفرة معروضاتها الفنية والثقافية وعجائب فنونها المعمارية، بالإضافة لمناظرها الطبيعية الخلّابة وأنشطتها الترفيهية المتنوعة. فقد استقطبت فالنسيا العام الماضي أكثر من أربعة ملايين زائر وبفضل رمالها الناعمة ومياهها العذبة واتساع بحرها وقربها من الجبال الساحلية جعلت من شاطئ فالنسيا مكانًا ذا جاذبية خاصة للزوّار. وهناك شواطئ وكثبان رملية رائعة في محافظة «كانيت ذين بيرينغير» تجعل من الساحل مكانًا مناسبًا للترفيه والإقامة. وإذا قطعت مسافة قصيرة إلى شمال العاصمة فالنسيا فستجد بلدات صغيرة مثل لابوبلا دي فارنالس و ألبورايا و إيل بويغ برزت كوجهات خلابة للسيّاح

| الإرث |
أسس الرومان الذين اكتشفوا فالنسيا قبل 2000 عام، ميدانًا في الموقع إسمه حاليًا لا بلازا دي لا ألموينا. وبعد عدة قرون، أصبحت المنطقة خاضعة لنفوذ قوىً مختلفة، بدءًا من القبائل الجرمانية الغازية، وخاصة قبائل القوط الغربيين، وصولًا إلى البيزنطيين. كما احتلّ العرب والبربر المنطقة عام 714 واستمر حكمهم لنحو نصف قرن. وقد تركت فترة الحكم العربي أثرًا كبيرًا في المنطقة، وهو ما يتضح جليًا في أصناف العديد من المأكولات، وتأثيرهم في الفنون والعلوم والابتكارات مثل أساليب الريّ. ولا يزال الشاهد على تلك الفترة حاضرًا للعيان، متمثلًا بـ محكمة المياه وهي أقدم مؤسسة قانونية في أوروبا تختص بمراقبة الاستخدام السليم لمياه الري. وهي اليوم معترف فيها كموقع للتراث العالمي - وعاشت فالنسيا عصرها الذهبي في الفترة ما بين القرن الرابع عشر وحتى السادس عشر. وهو العصر الذي كان نموذجيًا في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، فأصبحت المدينة تعتبر مركز أوروبا التجاري، ومنطلق تجارة الحرير، التي كانت أهم النشاطات التجارية في تلك الفترة - وشهد القرن السادس عشر بناء سوق تجارة الحرير أو لونجا دي لا سيدا، الذي يعد جوهرة فن العمارة القوطية نظرًا لجماله المعماري ولطبيعته التجارية في ذلك الحين. وسمي السوق بذلك نسبة إلى التجارة التي احتضنها، ونظرًا للدور الذي لعبته فالنسيا في مجال نسج الحرير والتجارة البحرية في ذلك الحين. ومن الأمثلة الأخرى على فن العمارة في تلك الفترة هي «كاتدرائية فالنسيا» المبنية على شكل صليب وتجمع أبوابها بين الطرز المعمارية الرومانية والقوطية والباروكية وتضم في داخلها كنيسة سانتو كاليز. وتضم هذه الكنيسة الصغيرة أحد أقدس وأثمن القطع الأثرية للكنيسة الكاثوليكية؛ الكأس المقدسة. التي أحضرها ألفونسو الخامس الملقب بالعظيم إلى الكاتدرائية سنة 1424. وعلى مدار عدة قرون، أصبحت هذه التحفة الأثرية المقدسة وجهةً مثيرةً للإهتمام لدى الناس

| الثقافة |
أدى التناغم بين فالنسيا وحضارتها المتنوعة إلى إنشاء أكثر من 35 متحفًا تتيح لزوارها الاستمتاع بفنونها وسماتها الأخرى ويضم متحف الفنون الجميلة الذي يعتبر أكبر معرض فني في إسبانيا بعد البرادو في مدريد، مجموعة مهمة من اللوحات القوطية بالإضافة لقاعة مخصصة للرسام الإسباني خواكين سورويا الذي عاش في القرن التاسع عشر، في حين يعرض معهد فالنسيا للفن الحديث مجموعات دائمة ومعارض مؤقتة للفن المعاصر، بينما يضم متحف السيراميك الوطني مجموعة كبيرة من السيراميك الإسباني والعالمي. ويمكن مشاهدة تاريخ المدنية وحاضرها من خلال آلة زمن داخل متحف تاريخ فالنسيا الموجود في منشأة كانت تستخدم سابقًا لتخزين المياه - وللتعرف بشكل أولي على أهم أعياد المدينة، يحتوي متحف فاياس على تماثيل للدمى المصنوعة من الورق المعجّن والتي تكون حاضرة بشكل لافت خلال الاحتفالات

| فن العمارة |
فالنسيا هي إحدى المدن الإسبانية التي تحتضن مجموعة مميزة من أعمال مدرسة عمارة الحداثة، فالكثير من التحف المعمارية بقيت قائمة منذ تلك الفترة ومنها السوق المركزي بهيكله الحديدي وألواحه الزجاجية، وهو يعد أكبر سوق مغلق في أوروبا حيث تبلغ مساحته قرابة 8,000 متر مربع ويحتوي على أكثر من 1,200 كشك تبيع منتجات تتنوع بين المأكولات البحرية واللحوم والفواكه - وهناك أيضًا سوق كولون المميز ببنائه الجذّاب والذي أصبح مكانًا للترفيه والثقافة بعد ترميمه سنة 2003. كما أن محطة القطار القريبة منه تعتبر تحفة معمارية حقيقة بسقفها المصنوع من السيراميك - أما مبنى مدينة الفنون والعلوم في فالنسيا فهو مجمع معماري فريد مخصص للنشر العلمي والثقافي ومكون من عدة مناطق، وتشمل هيميسفيريك الذي يقدم أفلامًا بتقنية «آي ماكس» وأجهزة عرض رقمية، ومتحفًا للعلوم، ودارًا مذهلة للأوبرا تحمل اسم قصر الملكة صوفيا للفنون. ويحتوى المبنى بتصميمه المستقبلي على مركز أوسيانوغرافيكو وهي حديقة الأسماك الأكبر في أوروبا حيث تضم أكثر من 500 فصيلة بحرية، تشكل في مجموعها عائلة ضخمة من 45,000 نوعًا بحريًا ومنها الدلافين والحيتان البيضاء وأسماك القرش وأسود البحر

| الطبيعة |
تشتهر فالنسيا بخضرتها ومنتزهاتها. ويكلل منتزه كابيسيرا، الأكبر في أوروبا، مجرى نهر «توريا» القديم في غرب المدينة. حيث تجد هنا بداية حدائق توريا، وهي عبارة عن مساحة كبيرة خضراء لا تسير فيها السيارات، يبلغ طولها حوالي 10 كيلومترات، مما يمكّن الزوّار من عبور المدينة إما على الأقدام أو بالدراجة الهوائية وصولًا إلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط تقريبًا. إن هذه المنطقة تنبض بالحياة والثقافة معًا، باحتوائها كل شيء من ملاعب كرة القدم والرجبي إلى مسارات ألعاب القوى والمتاحف - وتتميز المدينة بوجود شبكة موسعة من الطرق المخصصة للدراجات الهوائية التي تُمكن الزوّار من اكتشاف فالنسيا بهذه الطريقة. ويمكنك عبور المدينة أيضًا بواسطة أكثر من 15 جسرًا بنيت في حقب وبأنماط مختلفة - ويقع منتزه البوفيرا الطبيعي جنوبي المدينة، وهو عبارة عن حقول أرز خضراء جميلة تحيط بإحدى أكبر البحيرات في أوروبا. ويمكن مشاهدة الطيور المهاجرة في الشتاء عبر قوارب البوفيرا الصغيرة التي يستخدمها سكان قرية إل بالمار الصغيرة - التي تشتهر بصيد السمك - لصيد أنواع مختلفة من الأسماك الموجودة في البحيرة. وتأتي غابة البحر الأبيض المتوسط ضمن نفس المنطقة وتمتد إلى «شاطئ إل سالير» بكثبانه الرملية الخلابة المحمي بموجب توجيه من الاتحاد الأوروبي - تحوي فالنسيا 19 كيلومترًا من الشواطئ التي تعد ملاذًا يقصده الزوّار وتمنحهم أسلوب حياة متوسطي جذّاب. أما مارينا ريال خوان كارلوس الأول الذي يقع بجانب شاطئي «لاس أريناس» ومالفاروسا فيضم مرفأً داخليًا يتسع إلى 800 قارب، ومتنزهًا مليئًا بعدد كبير من المطاعم والحانات ومرافق رياضة في الهواء الطلق - ومن السبل الرائعة للتعرف على المدينة القيام برحلة بحرية ممتعة عبر البحر الأبيض المتوسط على متن القوارب المتنوعة المريحة الراسية بجوار مبنى فيلسي فينتس وتعد هذه المساحة المطلة على البحر مثالية للاستمتاع بالأجواء المحيطة المذهلة مع توفّر خيارات متعددة من النشاطات لممارستها طوال أيام السنة

| الطبخ |
يوجد في المدينة أكثر من 2,000 حانة ومقهى ومطعم تقدم قائمة منوّعة من الأطباق التي تجمع بين المأكولات التقليدية والمعاصرة. وفالنسيا هي مكان ولادة طبق بايـيا وأصله من الكلمة العربية بقايا وتعني ما تبقى من الطعام، وتعتبر مطاعمها أفضل الأمكنة لتذوق هذا الطبق. وفي فالنسيا خمسة مطاعم حاصلة على جائزة نجوم ميشلان مثل ريف ولا سوكورسال وريكارد كامارينا وفيرتيكال وإل بوبليت - ويجدر ذكر مطعم باراكادي توني مونتليو في حديقة فالنسيا الحزام الأخضر التي تبعد 15 دقيقة عن فالنسيا، ويمكنك فيه الاستمتاع بتذوق أشهى المأكولات المحلية
جذور الأرز
أدخل العرب إنتاج الأرز إلى فالنسيا في القرن الثاني عشر ونجحوا في ذلك نتيجة لوفرة أرباح بيعه. فحوالي 30 بالمائة من الأرز الذي تنتجه إسبانيا يأتي من مقاطعة فالنسيا. وقد تم تخصيص محمية البوفيرا الطبيعية وبلدة سويكا لزراعة الأرز مما يجعل المنطقة مشهورة بمطاعمها المتخصصة بأطباق الأرز المختلفة، ومنها موسيو ديل أرز متحف الأرز الكائن في مطحنة أرز قديمة، الذي يتيح للمسافر المحنك تجربة الأرز من منظور مختلف
