عائشة وخولة ورحاب في مهمة خاصة - يقومون بإصلاح التسربات المائية في المنازل وتنظيف خزانات المياه ويعلمون ربات البيوت كيفية التعامل مع المياه بشكل صحيح. فبعد أن فقدت عائشة زوجها ، تدربت على يد صديقتها المقربة وأول امرأة سباكة من الأردن خولة الشيخ ، لتكون قادرة على إعالة أطفالها الثلاثة بنفسها . لقد عملوا معًا في منظمة السباكين غير الحكومية التابعة لخولة منذ ذلك الحين وأصبحوا أصدقاء مقربين. مع اقتراب عيد ميلاد عائشة الأربعين ، قامت عائشة بتشارك أحلامها في تحقيق الذات مع خولة التي تشجعتها على تحديد هدفها وتحقيقه. يبدو أن خولة نفسها أنجزت كل شيء - حتى اضطرت إلى المثول أمام المحكمة بسبب مزاعم فساد واجهت المنظمة . تضررت سمعة منظمة السباكين وكذلك صداقة عائشة وخولة. لا تزال عائشة مصممة على كسب عيشها من السباكة. إنها تقوي أعمالها التجارية الخاصة من خلال تولي وظائف في قريتها ، والابتعاد عن المنظمة، فهية تسعي الي استقلالها ببطء. عندما تحتاج خولة إلى عائشة للشهادة أمامها في المحكمة ، فإن عائشة ليست متأكدة مما يجب أن تفعله -هل تكون مخلصًا لصديقتها المفضلة أو تركز على عملها الخاص؟
الفيلم الألماني "ماء صالح للشرب“ يجسد أحوال المرأة العربية فيه خصوصية، كونه يعرض تجارب وظواهر اجتماعية في بيئة غريبة على صُنّاعها.
المخرجة الألمانية "دانيلا كوينغ" التقطت تجربة عمل أول "سمكرية" في الأردن، والتي دخلت مجالا مهنيا حصرا على الرجال، وأرادت من خلالها عرض أحوال المرأة وتناول بعض المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها البلد؛
أول أردنية في حقل السباكة.. انحياز أنثوي
اللافت في المخرجة أنها تجنبت الخوض في التفاصيل الدقيقة المحيطة بكل جانب من جوانب معالجتها الدرامية، واكتفت بحصر مساحة بحثها في النقطة التي جاءت من أجل رصدها، مما أدى إلى تحجيم مساحة تحركها، وبالتالي تسطيح معالجة الفكرة، مع وجود بعض الجهد لإضفاء أبعاد أعمق عليها.
نجد ذلك في الوثائقي الألماني "ماء صالح للشرب"، فمع أنه يبدو منشغلا في رصد تجربة "خولة" بوصفها أول امرأة أردنية تعمل في حقل السباكة، فإنه حاول ربط المهنة بمشكلة شُحّ الماء الصالح للشرب في الأردن. فالعلاقة نابعة من مهنة ذات صلة بـ"المواسير" والمياه، ومرتبطة بدخول المرأة في حقل ذكوري بامتياز.
على طول الخط ومع تطور قصة "النساء السباكات" كانت هناك دوما على الشاشة صورة شاحنة لتوصيل المياه الصالحة للشرب للمناطق البعيدة، يقودها سائق لا ينطق إلا نادرا.
الانحياز الأنثوي واضح في نص المخرجة الألمانية، لكنه غير مفتعل، بل هو انحياز نابع من طبيعة النساء اللواتي رافقتهن في مسيرة صعبة رأت خلالها الكثير من الأوجاع والانكسارات، وإلى جانبها كانت هناك نجاحات وآمال كبيرة في تحسين أحوال أردنيات لا تنفصل مشاكلهن الاقتصادية والاجتماعية عن مشاكل البلد نفسه.
خولة وعائشة ورحاب يُصلّحن المواسير على أحد الأسطح الأردنية ضمن مشروع "السباكات" الذي قمن به
مشروع السباكات.. رغبة في حياة كريمة
انبثق مشروع "السباكات" أساسا من دوافع اجتماعية مردّها صعوبة دخول "المُصلّح" لبيوت يغيب عنها الرجال خلال عملهم. حيث وجد كثيرون أن فكرة استقبال ربّات المنازل لمُصلحات مواسير وسباكات من نفس جنسهن أكثر قبولا وعملية. ومن هنا جاء الترحيب النسبي بالفكرة.
ترافق المخرجة ثلاث نساء هن "خولة" صاحبة الفكرة، وزميلتاها "عائشة" و"رحاب"، كل واحدة منهن تعيش ظروفا اجتماعية خاصة، لكنهن يشتركن بطيبتهن ورغبتهن في عيش حياة سوية كريمة خالية من الصعاب والمشاكل.
إنها مُرافَقة بَنَت خلالها المخرجة الثقة المطلوبة مع "السباكات"، وركزت بشكل خاص على صاحبة المشروع الذي انطلق من جمعية نسوية تطوعية بادئ الأمر، ثم حولته "خولة" إلى تجاري ربحي. التركيز نابع من قوة شخصيتها ووضوح تصوراتها عن عملها وطموحاتها الكبيرة لتطويره. بينما تنشغل "عائشة" بعد وفاة زوجها بتأمين دخل محدود لعائلتها. أما "رحاب" فهي أقلهن طموحا في الحصول على المال، وأكثرهن مرحا رغم ما تعانيه من أزمات عائلية.
مصاحبة الكاميرا لهن كشفت جوانب من الحياة في الأردن لا تريد صانعة الفيلم الدخول إليها وعرضها بشكل مباشر، بل تسعى لتضمينها داخل تجارب النساء "السباكات". قصص النساء المنضويات إلى مشروع "خولة" الخاص بتأسيس مركز لتدريب النساء على المهنة؛ تكشف واقعا ذكوريا ليس من السهل عليه تقبُّل فكرة المساواة في المهن والحِرف، ولا في وجود المرأة في مواقع العمل.
تفاصيل كل قصة من قصص النساء الثلاث تُجلي جانبا من النظرة العامة للمرأة العربية، ومع كل ذلك كان هناك دوما من يساعد ويشجع، فالصورة المقدمة في الوثائقي الألماني في مجملها ليست سوداودية، وتجربة خولة في المحاكم تُدلل عليها.
بعد عمل مُضنٍ واستعدادات كثيرة لإطلاق مشروعها الخاص، فوجئت خولة باستدعائها للتحقيق في تهمة استغلال الجمعية النسوية ومواردها لأغراض شخصية، استنادا إلى تقارير اتهمتها بمنح زوجها بعض الأعمال الخاصة بالجمعية لغرض استنفاعه ماليا.
أثّر الاتهام على معنويات خولة وعلى الجمعية التي أخذت بالتفكك شيئا فشيئا، بعد انسحاب كثير من المنتميات إليها خوفا من تعرضهن لمشاكل كالتي تواجهها رئيستها.
عائشة الطموحة.. مشروع تجاري يكسر التحديات
يظهر الموقف التضامني النسوي من خلال شهادة عائشة أمام المحكمة. حيث قدمت إفادة صادقة عن أوجه صرف ميزانية الجمعية، جاءت في صالح زميلتها خولة.
على مستوى آخر يشرع الوثائقي في إبراز طموح شخصي برز عند عائشة، وتمثل في تفكيرها بإقامة مشروعها التجاري المستقل في الحقل نفسه. فخلال متابعته لبداياته وتقرّبه من عائلتها؛ يعرض الوثائقي بأسلوب بسيط وبروح إيجابية جوانب من العلاقة الجميلة بين الأم وأبنائها، وبشكل خاص مع ابنتها ورحاب صديقتها المقربة التي لم تتخلَ عنها بعد نجاحها المهني.
على المستوى العام كانت سيارة نقل المياه في المناطق الأردنية المنقطعة عنها المياه النقية تؤشر إلى ضعف بنية تحتية وإلى قصور في الخدمات العامة، لكنه على مستوى آخر يؤشر -من خلال تجارب النساء الملهمة والشجاعة- إلى تحوّلات مجتمعية لا يمكن تجاهلها. إبرازها ووضعها في قلب وثائقيها هي فضيلة المخرجة الألمانية الأبرز.
كل هذا لم يلغِ ضعف اشتغالها الفني الذي قرّب منجزها السينمائي في أحيان كثيرة من الريبورتاج التلفزيوني، لكنه في كل الأحوال لم يلغِ روحه الإيجابية.
”ماء صالح للشرب“ يعرض الان علي منصة شاهد VIP