توشك صناعة الماريجوانا الطبية في كندا أن تشهد طفرة كبيرة. انضم إلينا لتعلم لماذا قرر الخبير المالي المخضرم في شارع باي ستريت اقتحام هذه الصناعة والتوقع لها بمستقبل مشرق
يسألني سكوت وولترز هذا السؤال بابتسامة صغيرة وهو يعبق برائحة حشيش خفيفة لكن واضحة. لم نكد قد تجاوزنا الباب الأمامي ونحن نرتجف من البرد القارص في صباح يوم صافٍ في منتصف شهر يناير، لكن الرائحة الكريهة كانت حاضرة وتنتشر مع دفء الهواء وكأنها تقول: «نعم، هذا هو مكاني المناسب
وولترز هو مؤسس مساهم في عيادة مختصة في تورنتو ربما تحمل مفتاح مستقبل صناعة القنب في كندا، وقرر اصطحابي في مهمة لتفقد أحد مزوديه «أفريا» وهو منزل زجاجي قانوني لزراعة الماريجوانا يشبه تمامًا كل قطعة أرض في بلدة ليمينغتون الزراعية الصغيرة في أونتاريو، وهي عاصمة البيوت الزجاجية في أمريكا الشمالية. كانت ولا تزال هذه المزرعة التي تبلغ مساحتها 40 فدانًا تنتج الطماطم والخيار طوال العقود الأربعة الماضية، لكن أي شخص يملك حاسة شمٍّ سليمة سيعرف أنهم يزرعون أشياء أخرى فيها أيضًا
قمت أنا وولترز بتسجيل أنفسنا قبل دخول الشركة التي تبدو بسيطة بمكاتبها وشاشاتها المتناثرة، قبل أن يتغير هذا الانطباع عندما تلاحظ وجود ماسحات بصمة الأصبع في كل زاوية والكاميرات المعلقة على السقف والأسوار المحصنة بالأسلاك الشائكة التي يمكن مشاهدتها عبر النافذة وتلفاز يعرض شبكة من إحداثيات الدائرة المغلقة. يبدأ وولترز أولًا بمقابلة فريق أفريا التنفيذي وهو مزيج من المزارعين الخبراء مع حوارات عن أنماط العمل وخلافه. ارتدينا معاطف المعمل البيضاء وشبكات الشعر للبدء بجولتنا الرئيسية
سجّلنا أنفسنا مرة ثانية للدخول إلى بيوت الزراعة ليقوم وولترز بمسح مخزون البضاعة فيها. فتشاهد أن نباتات الماريجوانا بكل أشكالها وأحجامها قد فُرشت على مدى نظرك في هذا البيت الزجاجي الضخم. وبينما كنا نتجول بين الشتلات الصغيرة والشجيرات المزهرة بالكامل، شاركنا أحد مؤسسي أفريا بمعلومات حول الظروف المثالية لإضاءة المكان ووسائل المراقبة البيولوجية والطريقة المناسبة لتدفق الهواء فيه، قبل أن ينحني وولتز، الذي يكتفي بالاستماع وطرح بعض الأسئلة هنا وهناك، لتذوق المزروعات والتقاط بعض الصور لها بهاتفه المحمول
ثم نسجل مرة ثالثة للدخول إلى سرداب أفريا وهو عبارة عن متاهة بيضاء بالكامل لمختبرات شديدة النظافة وبمستوى رطوبة محكم، ثم نرتدي أحذية زرقاء بلاستيكية لنشق طريقنا بشكل متمايل عبر رفوف من الصواني الحديدية اللامعة وأبواب زجاجية ثقيلة قبل الدخول إلى غرفة التخزين التي تحفظ براعم جافة تبلغ قيمتها عشرات الآلاف من الدولارات تنتظر شحنها وحشوها إلى مطاحن ومباخر ولفافات ورق قرابة 60,000 مستخدم كندي للماريجوانا الطبية الموافق عليها. يرفع وولترز بتطفل وتوتر غطاء أحد الصناديق مثل ذاك الذي تستخدمه الكافيتيريا في مدرسة ثانوية لتخزين كمية هائلة من اللازانيا، فيتعجب لرؤية نصف كيلو من القنب ويبّرق وجهه وهو يستنشق نفحة من هذا المصدر المجاني
المرة الأولى التي سمعت بها صوت وولترز كانت قبل أسبوع واحد من رحلتنا إلى أفريا في ظهيرة يوم أحد، حيث ترك لي رسالة صوتية تقول: «مرحبا لوك، أنا سكوت وولترز. الساعة اقتربت من 4:20 عصرًا صمت، ثم ضحكة. 4:20 مضحك جدًا
يعيش وولترز البالغ 43 عامًا مع زوجته التي تزوجها منذ عشرين سنة وطفليهما في شمال تورنتنو. يرتدي نظارات سوداء سميكة الإطار ويحافظ على دقة قصة شعره الخفيف والرقيق. قوامه نحيل وطويل وعينيه زرقاوين فضوليتين وتتسمان بالطفولة، ويديه كبيرتين ولا تنضبان عن الحركة وتستطيعان مسك أي شيء يساعده على شرح نقطة ما، سواءً قشدة القهوة أو قواعد الأكواب أو قوارير الماء. يتحدث وولترز بتواضع ولا يبالغ بهندامه، وقد لا تكتشف أنه كان مضارب و خبير مالي مخضرم في شارع باي ستريت قبل أن يصبح رجل أعمال في الماريجوانا الطبية إن لم تسأله عن تاريخه
إليكم قصة انتقاله لهذا العمل. وُلد وولترز في تورنتو عام 1972، ودرس الحاسوب والاقتصاد في جامعة ويسترن اونتاريو أوائل التسعينيات. وقام في العقدين التاليين بتأسيس شركة استثمارية جمعت 150 مليون دولار (418 مليون درهم إماراتي) في قطاع اليورانيوم، ثم أسس وباع شركة إدارية وصل حجم أصولها أكثر من 6 مليارات دولار أمريكي (16.7 مليار درهم إماراتي)، وعمل كمضارب في المشتقات المالية ومديرًا لصندوق التحوط ومستشارًا للأعمال الزراعية لصالح شركات أخرى من بينها «بي إم أو نيسبت بيرنز» ومؤسسة «دندي». بيد أنه أصيب بخيبة أمل مع مرور الوقت بسبب عقلية الجشع التي تخيّم على هذه الصناعة، ويقول حول ذلك: أمضيت 20 عامًا في العمل مع أناس لا يفكرون إلا بالقرش الجديد والصفقة الجديدة. لم تكن لتحبني آنذاك، وأنا لم أكن أحب نفسي
قرّر وولترز عام 2012 مفاجأة مديره في ذلك الوقت واستقال من بنك استثماري أمريكي اسمه «ستيفل نيكولاس» وبدأ البحث عن عمل جديد. فاستقر على القنب بعد إقصاء جميع الخيارات الأخرى من أمامه: لن أعمل في النفط أو الغاز أو التكنولوجيا الحيوية، ولا في الغابات، والصيد الساحلي غير مجدٍ
لم يكن وولترز غريبًا على هذا العقار، كان قد اشترى القنب منذ مدة بعيدة من أحد شوارع وسط مدينة تورنتو، واتضح طبعًا أنه قطران للأسقف، ودخن بعضًا منه في مرحلة الثانوية العامة. بدأ عام 2010 بمداواة نفسه بالقنب لينقطع عن تعاطي المواد الأفيونية التي كان يستخدمها لمعالجة ألم مزمن في ظهره وحول عينيه، وهي آثار جانبية لسنوات من الشرب المفرط للكحول وأسلوب حياة غير صحي. وبعد ذلك بسنتين، حصل على وصفة طبية. (يُقال إن التدخين يخفف من حدة الألم من خمسة إلى واحد على مقياس الألم المكوّن من عشرة نقاط). كان وولترز يعرف عالم القنب نظرًا لحالته المرضية، لكنه لم يكن يفهمه كعمل تجاري. ففشلت محاولاته الأولى على النحو الآتي: أخفق بالعمل كمستشار ولم تنجح فكرته في الحصول على امتياز للعمل، وفقد عمله سريعًا في سوق أجهزة التبخير
حدث ذلك قبل أن يُقابل طبيبين كانا يتمنيان أن يصبحا رواد صناعة الماريجوانا الطبية. كانا ملمان بهذا النوع من الطب، فأحدهما درس تحت إشراف عالم قنب بارز، لكنهما افتقرا للخدمات اللوجستية والتمويل. فكان وولترز الخيار الأمثل بالنسبة لهما، حيث ساعدهما على تأسيس عيادة القنب الطبية التي تتيح للأطباء تحويل مرضاهم إليها في حال لم يرتاحوا بوصف هذا العقار لهم. وقد شرح لي أحد مؤسسي العيادة الطبيب دانيال شيكتر ذلك بالقول: «لم يخضع هذا الدواء لتجارب مسهبة، ولا يوجد له إرشادات علاجية. يتفهم الأطباء كيفية عمل البخاخة وأداة الاستنشاق، لكن كيف لك أن تصف نفختين من القنب ثلاث مرات يوميًا؟
تولّى وولترز ترتيب إجراءات العمل في هذه الصناعة بينما عمل الأطباء في مجالها العلمي، من وصف الماريجوانا الطبية وتصنيع قنب اصطناعي اسمه نابيلون ومراقبة ودراسة تقدم حالة المريض وتعليم معايير المعالجة للأطباء. كما قام وولترز بزيارات لتقييم فرص العمل مع مجموعة صغيرة من كبار المنتجين القانونيين والمقبولين في كندا (وهو المكان الذي يحصل منه مرضى العيادة على براعم نبتة القنب)، وتعرّف أكثر على عالم الصناعة شبه القانوني وغير المسجل وعمل على توظيف أفضل محامٍ مؤيد للقنب في الدولة. فأعد العدة بشكل تدريجي لدعم دخول هذه الشركة الجادة إلى قلب صناعة على وشك الازدهار
غير أن وولترز ليس الشخص الوحيد الذي يعرف هذا السر. فأي شخص منتبه يعرف أن صناعة القنب شارفت على الازدهار، وثمة العديد من الاستغلاليين المتلهفين للخوض في هذا المجال، علمًا أن صحة كندا تتوقع أن صناعة الماريجوانا في الدولة ستُقدر بحوالي 3.5 مليار درهم إماراتي سنويًا بحلول عام 2024، مع أن آراءً أخرى تصرُّ أن الرقم أصبح أكبر من ذلك وسيستمر بالزيادة، خاصة إذا حسبت السوق الترفيهي. وصلب الموضوع هو الآتي: في اليوم الذي أصبحت به شركة زراعة الماريجوانا المعروفة «توييد» أول منتج يطرح أسهمه للجمهور، بات سهمها الأكثر تداولًا في سوق بورصة تي إس إكس
يبدو أن الكنديين يدخنون الحشيش منذ أجيال فلماذا كل هذه الضجة الآن؟ يبدأ الجواب من عند تيري باركر الذي كان أول مستخدم للماريجوانا الطبية القانونية في الدولة، فقد أقنع هذا النصير العتيد لاستخدام القنب والمقيم في تورنتو المحكمة خلال سلسلة من الجلسات في أواخر التسعينيات أن تعترف بحقه القانوني باستخدام القنب كوسيلة لمعالجة حالة الصرع التي يعاني منها. فأجبرت هذه القضية الحكومة إعداد برنامج ماريجوانا طبي يسمح للناس الذين يعانون من بعض الأمراض الحصول على رخصة لشراء الماريجوانا من مُنتج حكومي وزرع نباتاتهم الخاصة أو تفويض شخص آخر كقريب أو صديق لزراعتها نيابة عنه. كان مكتوب لهذا النظام أن يفشل، لأن الحكومة لم تكن تملك قدرًا كافيًا من المفتشين لفرض تشريعات أو مراقبة جودة الآلاف من المزارعين المستقلين، ناهيك أن الكثير من المرضى عيّنوا نفس الأشخاص لزراعة نباتاتهم مما خلّف بيوتًا زراعية كبيرة تسرّبت حصة من نباتاتها إلى السوق السوداء
فقامت الصحة الكندية في شهر ابريل عام 2014 على الحد من المشكلة بإلغاء نظامها الأصلي وطبقت أنظمة معدلة لاستخدام الماريجوانا لأغراض طبية. (سمح بأمر من المحكمة للمرضى الحاليين الاستمرار بالعمل وفق الأنظمة القديمة بشكل مؤقت). ويمكن للمرضى الحاصلين على وصفة الماريجوانا الطبية شراء القنب عبر عدد من المنتجين المرخصين المدققين حكوميًا وفقًا للقوانين الجديدة. فتحسّنت جودة واستمرارية القنب الكندي بشكل عام لكن سعر الوحدة الواحدة ارتفع نتيجة لذلك. فقد بات على المرضى الذين اعتادوا زراعة القنب الخاص بهم أن يدفعوا آلافًا من الدولارات سنويًا للحصول على دوائهم، وسيتوجب على أي شخص مهتم في إنتاج القنب القانوني دفع ملايين من الدولارات لوضع حجر الأساس فقط
إن الحصول على منتجين مرخصين سيتطلب منك رأس مال لبناء بيوت زراعية تتماشى مع المعايير الأمنية الصعبة التي تفرضها الصحة الكندية، مثل الرقابة الشديدة وعملية التسجيل الثلاثية البيروقراطية التي مررنا بها عند زيارتنا لأفريا. ثم ستحتاج للمعدات الملائمة لتسيير إجراءات صناعة المنتج ومراقبة مدى جودته وكميته. وعليك دفع أجور موظفي رعاية النباتات ومركز خدمة العملاء للتعامل مع المرضى وموقع إلكتروني آمن وسهل الاستخدام لتلقي الطلبات على الانترنت، ناهيك عن المال المستثمر لزراعة المنتج نفسه
وقد أدت مثل هذه التكاليف الباهظة إلى وقف أعمال ناشطي القنب ومن يزرعوه في مرآب سياراتهم وحلّ مكانهم أشخاص مهمين من مضاربي البورصة وخبراء شركة «بيغ فارما»، ولا يدخل غمار هذا العمل إلا المستثمرين أو من يملك أموالًا طائلة. يشغل فيك نوفلد منصب المدير التنفيذي في أفريا، وهو المدير السابق لشركة الأدوية الكندية «مختبرات جاميسون»؛ بينما يدير بروس لنتون شركة «توييد»، وهو رجل أعمال ثري قادم من مجال الاتصالات والتكنولوجيا سبق له إدارة مجموعة من الشركات؛ وفريق العلماء الذي تتألف منه شركة «بيدروكان» المنتجة والمرخصة والذين باتوا من أصحاب الملايين في هولندا. كما أن المدراء التنفيذيون والرؤساء السابقون يديرون قرابة 15 شركة كندية منتجة ومرخصة قائمة حاليًا، دون ذكر 1,200 شركة أخرى تأمل اقتراب دورها للحصول على رخصتها بفارغ الصبر
ترغب هذه الشركات دخول الصناعة لأن أرباحها غير معقولة على الرغم من تكاليف إنشائها الباهظة. قد لا ينقذ القنب أية أرواح، فهو علاج وليس دواء، بيد أنه قادر على منع الناس من استخدام المواد الأفيونية. وإذا أصبح استخدام الماريجوانا الطبية شائعًا بين الناس فمن المتوقع أن يحل محل عدة أدوية مؤذية مثل الأوكسيكودون والمورفين ليكون العلاج المعتمد لعدد كبير من الأمراض والعلل مثل: السرطان وفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز والباركنسون والتصلب الجانبي الضموري والقلق وفرط النشاط والسكري، وهذا غيض من فيض. وستهتم شركات التأمين الحذرة أيضًا بهذه الصناعة لأن تكلفة القنب أقل من المواد الأفيوينية وتحافظ على حياة الناس وامتيازاتها المادية تدوم لفترة أطول. كما أن معظم المرضى يفضّلون القنب لسعره المنخفض ولأعراضه الجانبية التي تعتبر أقل من غيره، باستثناء المأكولات السريعة. وتشير التقديرات أن قرابة 400,000 من الكنديين سيستخدمون الماريجوانا الطبية بحلول عام 2024. وستكون حتمًا تحت تأثير الحشيش إن لم تدرك أن هذه الصناعة التي تساوي مليارات الدولارات على وشك الازدهار لأن الكثير من الناس يدخنون قرابة غرام واحد من القنب يوميًا وقد وصل معدل سعر غرام القنب القانوني الواحد من 20 إلى 35 درهم إماراتي
وهذه التقديرات تنطبق فقط على الماريجوانا الطبية الجافة والقابلة للتدخين، فقد بدأت مستخرجات القنب بالوصول إلى برنامج القنب القانوني في مقاطعة كولومبيا البريطانية بعد صدور قرار من محكمة المقاطعة في شهر أغسطس الماضي، وسينجم عنه منتجات مستخرجة مثل الحبوب والمساحيق والزيوت والحلويات وأشياء أخرى صالحة للأكل. ومن المتوقع أن تحذو بقية أرجاء الدولة حذو مقاطعة كولومبيا البريطانية أيضًا في حال جرت جلسة المحكمة الفدرالية المقرر عقدها في الربيع الجاري كما يتوقع الجميع في هذه الصناعة
إن تقديم المستخرجات سيوفر سوقًا جديدًا كليًا للقنب الصالح للأكل ويؤسس شركات تختص بصناعتها. وهي أخبار جيدة بالنسبة للمنتجين المرخصين الذين سينقذون جزءًا من الزرع الذي ألقوا به في القمامة، أفريا مثلًا قامت بالتخلص من 60 بالمائة من كل نبتة ماريجوانا، ويبيعون كميات هائلة من القنب بالجملة إلى الشركات التي ستحوّله إلى منتجات مختلفة من الكبسولات إلى حلوى الذرة. ومع زيادة فرص تشريع القنب، سيزيد انتشار السوق وستتضاعف عوائد الضرائب معه. وستحرص شركات التبغ والكحول الكبيرة أيضًا على نيل حصتها من هذا السوق المربح (كشركة الجعة «باد لايت» مثلًا). ويتوقع وولترز قائلًا: إن تشريع القنب سيأجج السوق لأن الأرباح ستكون غير معقولة
يبدو أن المشكلة هي حكومة رئيس الوزراء الكندي هاربر التي تكره القنب، وحتى الحصول على صوت ليبرالي لن يغيّر من حقيقة أن الماريجوانا تاريخيًا لم تُدرس بقدر مصادرتها. يقول أحد مدراء المحافظ الذي استثمر في عدد من الشركات المنتجة المرخصة في تورنتو: «لم يتم تخصيص ميزانية لدراسة هذا الموضوع خلال الخمسين سنة الماضية بسبب وجود حرب ضد المخدرات حيث أن فرصة تمويل بحث حول تأثير توربينات الرياح على أنواع نادرة من الخفافيش أكبر بكثير من تمويل بحث عن الماريجوانا الطبية
يمكن فهم تردد الصحة الكندية، التي تمر بفترة نقص تمويل حادة وقيود حكومية، بتقديم النبتة لأي شخص يعاني من ركبة مكشوطة في ظل غياب بيانات ملموسة أو أدلة علمية تسمح بذلك. وقد لا يرتاحون أيضًا لفكرة أن يصف طبيب دواء اسمه «دونكي ديك» لجدة تبلغ 75 عامًا تعاني من سرطان مزمن
وهنا يأتي دور وولترز، فعيادته لا تكلف الكثير من المال على عكس الجوانب الأخرى من تجارة براعم القنب. فبرامج المقاطعات الصحية تغطي تكلفة زيارات 1,300 من مرضى العيادة؛ أما أموال التأمين للمواعيد واختبارات البول فتغطي المصاريف الإدارية وتدفع فواتير الكهرباء. يسّخر وولترز أحيانًا: أجني الأموال في كل مرة يتبول أحدهم في كأس، لذلك أكرمهم بتضييف القهوة
بيد أن هذه الدعاية ليست إلا قناعًا لخطة تجارية ذكية، حيث يقوم المريض عند حضوره للعيادة بالإجابة عن مجموعة من الاستبيانات الإلكترونية حول حالته الصحية وأعراضها وأمور أخرى. وبعد استخدامه الماريجوانا الطبية إن وصفت له، عليه الإجابة على الأسئلة الإستقصائية الأخرى حول التأثير الإيجابي أو السلبي على مرضه بعد استخدام منتجات معينة من القنب. فتوّفر هذه الاستبيانات صورة غير مسبوقة عن استخدام الماريجوانا الطبية، دون ذكر اسم متلقيها بالإضافة إلى مدّخلات المريض الأخرى. كما يخطط وولترز لإنشاء عيادات أخرى في تورنتو وفي المقاطعات البحرية التي تعاني من ارتفاع في نسب «اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية» بشكل مفرط. ومع زيادة نسبة المرضى الحاصلين على الراحة التي توفرها هذه النبتة فإن البيانات تصبح أكثر دقة وثباتًا
يقول نائب المدير التنفيذي في شركة «توييد» مارك زيكولن: «إنها معلومات قيّمة للغاية لأنها ستسمح لنا أخيرًا فهم سبب النجاح لمنتج معين في معالجة الأرق وآخر بمداواة ألم مزمن مختلف، ويمكنك أيضًا تشكيل أسس «المرحلة الأولى» من التجربة السريرية». وإن نجحت بالفعل بإكمال مجموعة من التجارب السريرية، سيتأهل نبات القنب للحصول على رقم تعريفي يتيح للصيدليات أن تبيع الدواء دون وصفة طبية، ما يمنحها شرعية غير مسبوقة وزيادة كبيرة في قاعدة مستخدميها
كما أن بيانات وولترز هذه تعد الأبحاث المهمة الوحيدة للسوق الكندي حول الماريجوانا الطبية، وهو يعتمد على حقيقة أن المنتجين المرخصين على استعداد للمجازفة كي يصلوا إليها. ومع ازدهار هذه الصناعة ستحقق بعض الشركات المنتجة المرخصة ومستثمريها نجاحًا كبيرًا فيما سيتم الاستحواذ على غيرها وسيفشل الكثير منها فشلًا ذريعًا. بيد أن الحاجة للإحصائيات ستظل قائمة ولا يزال وولترز يحتكر هذه الأرقام لنفسه حتى الآن
وإن كان وولترز على وشك أن يجني الملايين فهو لا يبدو مهتمًا بذلك، فهو لا يتحدث عن المال كثيرًا، وهو عمليًا يعاني من هاجس الأسهم المتداولة علنًا. وإذا شاهدته متحمسًا أو معترضًا على شيء ما، فذلك سيكون بسبب رفع المنتجين المرخصين للأسعار ولعدم قدرة مرضى عيادته تحمل نفقة أدويتهم، وليس لأنه فقد آلافًا من الدولارات في السوق
إن مظهره يحكي عن رجل وجد فرصة ثانية في الحياة ويبحث عن الخلاص من خطاياه السابقة، فعثر على شغف أكبر من القيمة المادية التي تولدها هذه الفرصة. يقول وولترز أن عمله هذا مختلف: أسستُ صناديق تحوط وشركات عامة، وبنيّت المناجم، لكن ما المهم في ذلك. لقد أسست عيادةً من عرق جبيني، لوحدي، وساهمت في ابتكار شيء يساعد الناس كل يوم. لم أتمكن من فعل شيء مماثل في السابق
أجلس مع وولترز في سيارة تاكسي بتمام الساعة 2:30 ظهرًا ونحن نغادر مجمع أفريا (سجلنا الخروج طبعًا). وخلال طريقنا إلى مطار ويندسور الدولي الذي يتطلب 40 دقيقة للوصول إليه بالسيارة، يبدأ وولترز بتلخيص جولتنا قائلًا: المكان مدهش والموقع مثالي ولديهم فريق ماهر، مركز العملاء يحتاج لبعض التحسينات
تأخرنا في الوصول لكن وولترز يحافظ على هدوئه ويريني صورًا من هاتفه المحمول ويخبرني قصصًا ونحن نسير عبر طرق ريفية مصفوفة بالبيوت الزجاجية. وعندما وصلنا إلى المطار قبل نصف ساعة من الموعد المحدد لإقلاع طائرته، يهرع من سيارة الأجرة مسرعًا ويلقى بحقيبة يده فوق كتفه وفيها صندوقين من القنب وطاحونة وبعض الملفات وقارورة ماء
ثم يأخذ إذن الدخول ويرمي الحقيبة في جهاز الأشعة السينية ويمر عبر جهاز كشف المعادن. فيسأله حارس أمني من الناحية المقابلة السؤال اللعين: «هل هذه حقيبتك يا سيد؟» فيفتح الحارس سحابها ويصادر قارورة الماء بشكل غير رسمي ويطلب منه متابعة طريقة نحو الطائرة
كتابه وتصوير : لاك رينالدي